jassemajaka@gmail.com
أسعار المحروقات تلتهب جراء العوامل الجيوسياسية
أولًا – الصراع الأميركي – الإيراني: فمن المعروف أن إدارة ترامب ومنذ الحمّلة الإننتخابية لهذا الأخير، تُريد إعادة التفاوض على شروط الإتفاق النووي المُبرم بين إيران والدول الخمسة + واحد. وقد أظهر ترامب أنه مُستعدّ للمواجهة مع بدء فرض عقوبات على إيران حين كانت تقوم بتجارب على الصواريخ البالستية وأكملها بعقوبات هي الأقسى على الإطلاق بعد إنسحابه من الإتفاق النووي في بداية هذا الشهر. والأصعب في هذه العقوبات هو فرض عقوبات على كل الشركات التي تتعامل مع إيران بشكل سيؤدّي إلى شبه إستحالة تصريف 3.8 مليون برميل من النفط تُنتجها إيران يوميًا. هذا الأمر فرض تساؤلات عن قدرة الدول الأخرى على سدّ النقص في الأسواق مما دفع المضاربين إلى أخذ وضعيات طويلة على النفط وبالتالي إرتفت الأسعار بشكل كبير.
ثانيًا – الصراع الإسرائيلي – الإيراني: والذي تُوّج مؤخرًا بهجمات هي الأولى في التاريخ حيث قامت إسرائيل بضرب منشأت عسكرية إيرانية في سوريا ووضعت الجيشين الإسرائيلي والإيراني وجهًا لوجه. هذا الأمر أثار أيضًا مخاوف المُستثمرين من ردّة فعل عسكرية إيرانية قد تُلهب منطقة الشرق الأوسط بأكملها مما قدّ يؤدّي إلى خفض الإنتاج وبالتالي النقص في النفط في الأسواق. هذا الأمر دفع بالمضاربين إلى أخذ وضعيات طويلة على النفط في الأسواق المالية.
ثالثًا – إرتفاع وتيرة الهجمات الصاروخية الحوثية على المملكة العربية السعودية مما أثار مخاوف من أن تطال الصواريخ منشأت نفطية في المملكة التي تُعتبر من أهم الدول من ناحية إنتاج النفط! ونخص بالذكر الأنابيب التي تنقل النفط من شرق المملكة إلى غربها تفاديًا لعبور مضيق هرمز الواقع تحت سيطرة إيران جغرافيًا.
رابعًا – إرتفاع وتيرة المظاهرات في فنزويلا التي تُعتبر من مصدّري البترول المُهمين. هذه المظاهرات زادت من مخاوف التأثير على إنتاج النفط حيث أن العديد من الدول الصاعدة كالهند، تستورد نفط فنزويلا وبالتالي زادت العوامل السلبية التي تؤثرّ على سعر النفط.
خامسًا – الإتفاق المُبرم بين دول الأوبك وروسيا لتقليص الإنتاج والذي بدأ في مطلع العام الماضي ويستمرّ (على الورق) حتى أواخر العام 2018. هذا الإتفاق سمح بتفادي أسعار نفط بحدود الـ 40 دولارًا أميركيًا للبرميل الواحد وخلق نقلة هيكلية في الأسعار بقيمة 10 دولارات أقلّه.
سادسًا – إرتفاع الطلب من قبل بعض الإقتصادات العالمية التي أخذت بالتحسّن كالإقتصاد الأميركي وبالتالي زاد الطلب في الأسواق على النفط وإرتفعت مع الأسعار.
تداعيات إرتفاع أسعار النفط على الإقتصاد اللبناني
المعروف أن إرتفاع أسعار النفط ترفع من أسعار المُشتقات النفطية وليس بالضرورة بشكّل موازي لأن سوق المُشتقات مُختلف عن سوق النفط وبالتالي تعمد مصافي النفط إلى إنتاج المُشتقات التي تُعظّم أرباحها. من هذا المُنطلق، نرى أن الدوّل التي تستورد النفط كلبنان أصبحت رهينة إرتفاع الأسعار عالميًا وأخذت كلفة الإنتاج تزيد في هذه الدول مما يعني ضربة للإقتصاد على ثلاث مستويات:
الأول يتمثلّ بعجز في الموازنات نتيجة إقرار هذه الموازنات على أسعار نفط مُنخفضة. وهذا حال لبنان الذي تنزف خزينته العامّة جرّاء عجز مؤسسة كهرباء لبنان.
الثاني يتمثّل بزيادة كلفة المحروقات على المواطن مما يُقلّل من قدرته الشرائية وبالتالي خفض الإستهلاك.
من هذا المُنطلق نرى أن صرّخة المواطن اللبناني مُحقّة ويتوجّب على الدولة القيام بحلّ لهذه المُشكلة. إلا أن الدولة اللبنانية لا تملك أية خيارات أللهم إلا تخفيض الضريبة على المحروقات والتي تبلغ (مع جعالات المستوريدن والنقل وأصحاب المحطات) ما يوازي الـ 30% من سعر صفيحة البنزين مثلًا.
تحوّلات جيوسياسية جديدة
في 21 من شهر أيار، أعلن وزير النفط السعودي عن إتفاق بين المملكة العربية السعودية وروسيا على زيادة الإنتاج لسدّ النقص الذي قد ينتج عن وقف الإمدادات الإيرانية للأسواق العالمية. وهذا الأمر إنتشر في الأسواق مثل الصاعقة إذ إنخفضت الأسعار مباشرة بعد هذا التصريح. وآتى خبر زيادة عدد منصات النفط الصخري في الولايات المُتحدة الأميركية ليزيد من حدّة إنخفاض أسعار النفط إذ إنخفضت هذه الأخيرة بنسبة 8% من 72 إلى 66 دولار أميركي للبرميل الواحد في أخر تداولات نهار 29 أيار 2018.
هذا الأمر سينعكس بالطبع إيجابًا على المواطن اللبناني الذي سيلحظ إنخفاضًا الأربعاء القادم في أسعار المحروقات كنتيجة لإنخفاض أسعار النفط العالمية.
في الختام لا يسعنا القول إلا أن الكفاءة الحرارية للإقتصاد اللبناني مُتدنية جدًا (9 د.أ لكل دولار نفط) مقارنة بفرنسا مثلًا (42 د.أ لكل دولار نفط). من هذا المُنطلق ونظرًا إلى الفاتورة الحرارية التي يدفعها لبنان سنويًا (5 مليار د.أ)، يتوجّب على الحكومة اللبنانية وضع إستراتيجية لتقليل تعلّق الإقتصاد اللبناني بالنفط وإستبداله بمصادر طاقة أخرى مثل الغاز أو الطاقات المُتجدّدة.