jassemajaka@gmail.com
ملفّات إقتصادية وإجتماعية بإنتظار الحكومة العتيدة
يقول كينز أن إجمالي الطلب المؤلّف من إستهلاك الأسر والشركات والحكومة، هو أهم قوة دافعة للإقتصاد. ويؤكدّ كينز أيضًا على أن الأسواق الحرة لا تملك آليات «توازن ذاتي» تؤدي إلى الوصول إلى مرحلة التوظيف الكامل (Full Employment) وبالتالي فإن التدخل الحكومي من خلال سياسات عامة هو أمر إلزامي بهدف تحقيق توظيف كامل وإستقرار في الأسعار وثبات إقتصادي. ويُمثّل الناتج من السلع والخدمات مجموع أربع مكونات هي الإستهلاك، الإستثمار، المُشتريات الحكومية، وصافي الصادرات (تصدير- الإستيراد)، وبالتالي فإن أي زيادة في الطلب يجب أن تأتي من إحدى هذه المكونات.
يقول كينز أن التدخّل الحكومي هو أمر ضروري لتخفيف وطأة الدورات الإقتصادية. وعلّل هذا التدخل من خلال إعطائه دينامية عمل الماكينة الإقتصادية: (1) الطلب الكلّي الذي يتأثر بالقرارات الإقتصادية في القطاع العام والخاص، (2) الأسعار
والأجور التي تستجيب ببطء للتغيرات في العرض والطلب (في ظل منافسة حرّة)، و(3) التغيّرات في إجمالي الطلب والتي لها تأثير على المدى القصير على الإنتاج الحقيقي والعمالة.
وفي حالة لبنان نرى أن التدخلّ الحكومي كان شبه غائب في المرحلة السابقة في ما يخصّ التأثير على مكونات الإنتاج بهدف تحسينها. أمّا القطاع الخاص، فنرى أن أسوء قرار إتخذه هو خفض الإستثمارات والتي إنعكست في نسب النمو.
وتبقى السياسات المالية المُضادّة للدورات الإقتصادية من أهمّ طروحات كينز إذ أنه يؤيّد العجز في الموازنة بهدف الإستثمار والتحفيز الضريبي في فترات الركود الإقتصادي وزيادة الضرائب في فترات النمو القوي للجمّ التضخمّ وتهدئة الإقتصاد ومنعه من الغوص في أزمات إقتصادية ومالية.
الملفات الإقتصادية والمالية والإجتماعية التي تنتظر الحكومة العتيدة عديدة ومُعظمها ملفات مُزمنة لم يتمّ مُعالجتها في الحكومات السابقة. وعلى هذا الصعيد يُمكن ذكر عدد من هذه الملفات:
أولًا – مُعالجة العجز في الميزان التجاري والذي يُساهم سلبًا في النمو الإقتصادي بحكم حجم هذا العجز الذي يتخطّى الـ 28% من الناتج المحلّي الإجمالي ويؤثرّ سلبًا على سعر صرف الليرة اللبنانية. وهذا الأمر يُمكن مُعالجته من خلال دراسة إمكانية إنتاج أول 20 سلعة يستوردها لبنان.
ثانيًا – لا يُمكن تناسي القطاع الحراري خصوصًا مُشكلة الكهرباء في لبنان، فالفاتورة الحرارية تصل إلى 5 مليارات دولار أميركي سنويًا مع كفاءة حرارية لا تتعدّى الـ 9 دولارات لكل دولار نفط. ناهيك عن الأضرار السلبية على عجز الموازنة الناتج عن دعم مؤسسة كهرباء لبنان.
ثالثًا – إعادة هيكلة الإقتصاد اللبناني وذلك من خلال باب الإستثمارات والتحفيز الضريبي حيث من الواجب تحفيز الإستثمارات في القطاعين الصناعي والتكنولوجي واللذين يُعتبران الأساس في كل إقتصاد مُتطوّر كما ولإستدامة الوظائف في هذه القطاعات التي تؤمّن 5 وظائف في القطاعات الأخرى لكل وظيفة في القطاع الصناعي.
رابعًا – تأهيل البنى التحتية وذلك من خلال الإسراع في تنفيذ مشاريع سيدر 1 والتي سيتأخر تنفيذها مع تأخير تشكيل الحكومة. الجدير ذكره أن هذه البنى التحتية ستكون الأساس في مُشاركة لبنان في إعادة إعمار سوريا.
خامسًا – محاربة الفقر وخلق أمان إجتماعي والذي يُعتبر حلّه ضرورة قصوى في ظل زيادة نسبة الفقر وتخطيها عبتة الـ 31% من الشعب اللبناني. هذا الأمر يمّر إلزاميًا من خلال تأمين وظائف (عبر الماكينة الإقتصادية وليس في القطاع العام) وإقرار العدالة الإجتماعية وتأمين الشيخوخة.
سادسًا – مُحاربة الفساد خصوصًا التهرّب الضريبي الذي يُعتبر جريمة مالية بإمتياز. هذا الأمر هو من الإجراءات الأساسية التي ستسمح للحكومة بخفض عجز الموازنة من خلال زيادة الإيرادات المالية. وبالتالي فإن هذه الإجراءات ستنعكس إيجابًا على لجم الدين العام الذي تخطّى كل الخطوط الحمراء.
إن هذه الملفات المُزّمنة هي نتاج ربط الملفات السياسية بالملفات الإقتصادية ما يجعل المُعالجة العلمية لهذه الأخيرة شبه مُستحيلة. من هنا ضرورة التوافق على آلية لإتخاذ القرارات الإقتصادية مُختلفة عن آلية إتخاذ القرارات السياسية. هذه الآلية يجب أن تخضع لمعايير علمية، الوحيدة التي يجب إعتمادها تحت طائلة التعطيل السياسي كما شهدناه في المرحلة السابقة.