Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

2013 سنة الإستحقاقات..والمسؤولون يعيشون في كوكب آخر

كل يوم، تطالعنا تصريحات منسوبة الى «خبراء الإقتصاد»، تُفيد بأن الوضع الإقتصادي ليس كارثياً. ويذهب بعضهم الى تصوير الوضع كـأنه أزمة بسيطة وتمر. لكن الكارثة تكمن في قلة المسؤولية لدى عدد من أركان السلطة الذين لا يفهمون الوضع الإقتصادي الحالي ويعمدون الى أخذ قرارات، لها تأثير سلبي على المالية العامة.  عند إنتهاء الحرب الأهلية في لبنان (75-90)، قامت الحكومات المتتالية بإعتماد المنهج الأميركي الذي ينص على إعتماد الإقتصاد على عامودين أساسيين: النفط والإقتراض. والإقتراض بحد ذاته ليس عمل سيئا بل على العكس يُبشر بمستقبل واعد وقدرة المقترض على رد الأموال التي إقترضها. وبدأ الدين العام بالإرتفاع وأستخدمت الأموال لتحفيز النمو. لكن هذه المرحلة ترافقت مع عاملين كان لهما تأثير سلبي على الدين العام: الفساد على جميع أصعدة الدولة، والحوادث الأمنية والسياسية التي شهدها لبنان في منذ نهاية الحرب الأهلية. وجاءت الأزمة المالية العالمية في 2008 لتؤثر على الإقتصاد اللبناني (بفرق سنة أو إثنين بسبب الموجات الإقتصادية) عبر إنخفاض نسبة الأموال المرسلة من المغتربين. وأثر هذا على القطاع العقاري الذي كان محرك الإقتصاد ما بين 2006 و2010. وكأن هذا لا يكفي،حتى جاءت الأزمة السورية لتدك هياكل الإقتصاد اللبناني عبر ضرب مقوماته الإقتصادية : القطاع السياحي، القطاع المصرفي، الزراعة والصناعة. وللأسف لم يستطع أحد من الخبراء التنبؤ بنتائج الأزمة السورية على لبنان. 

كما ولم يستطع أهل السياسة عزل الشارع اللبناني عن هذه الأزمة. فإستوردها اللبنانيون وبدأت تظهر هنا وهناك بأشكال مختلفة. فغاب السياح عن لبنان نتيجة هذه الأحداث ونتيجة بعض الخيارات السياسية للبنانيين. وكانت للعقوبات الأميركية على سوريا وإيران تأثيرها على القطاع المصرفي اللبناني الذي يكتفي الأن بتمويل عجز الدولة.

 

 

 

ومع كل الغموض الذي يعتري مستقبل الأزمة السورية ومدتها، نرى أن المسؤولين يعيشون في كوكب أخر. فمشروع موازنة 2012 ومشروع موازنة 2013 أكبر دليل على غياب المسؤولين. لكن هذا الغياب إصطدم بمعضلة سلسلة الرتب والرواتب التي أثبتت عدم قدرة أهل السلطة وتسرعهم في بعض الأحيان في إتخاذ القرارات الصحيحة. واقع لبنان في نهاية 2012 هو الآتي: – دين عام يفوق الـ57 مليار دولار – نمو لا يزيد عن 0.5% إذا ما وُجد – تضخم يفوق الـ 14% – عجز في الميزانية العامة يفوق الـ 13000 مليار ليرة – بطالة تُقدر بـ 30% والتوقعات أسوأ من ذلك (أنظر الى الرسم) : – الدين العام: في غياب أي تغيرات ماكرو إقتصادية و/أو إصلاحات، نتوقع أن يفوق الدين العام الـ 86 مليار دولار في الـعام 2017، في حين يتوقع صندوق النقد الدولي أن يكون 77 مليار دولار. – الناتج المحلي الإجمالي: نتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي الى 42000 مليار ليرة بنهاية 2017 في حين يتوقع صندوق النقد الدولي إرتفاع الناتج المحلي الإجمالي سنوياً حتى 2017. ولا نفهم المُعطيات وراء هذه التوقعات مع العلم أن الصندوق توقع نمواً للبنان في 2011 و2012 بنسبة 4% وهذا ما لم يحصل ! الميزان الهيكلي العام (General Structural Balance): الذي هو الميزان للموازنة مصحح من كل العوامل الهيكلية وخصوصاً الدورات الإقتصادية. ونرى أن العجز سيفوق ما يتوقعه صندوق النقد الدولي ليبلغ 16358 مليار ليرة لبنانية بحلول نهاية 2017 مقابل 9855 مليار ليرة لصندوق النقد الدولي. الدخل العام: يرى صندوق النقد الدولي أن الدخل العام سيزيد سنوياً ليبلغ 20235 مليار ليرة في حين نرى أنه سينخفص الى 13504 مليار ليرة في نهاية 2017. من المفروض أن يعكس مشروع موازنة 2012 ومشروع موازنة 2013 البيان الوزاري الذي أُعطيت من خلاله الثقة للحكومة. وبالنظر الى هذه المشاريع نرى أنها لا تمت بصلة الى البيان الوزاري ولا تأخذ بالإعتبار المعطيات الإقليمية والمحلية وتُصِّر على توقعات نمو 3% للعام 2013. كما وأن هذه المشاريع لا تحتوي على أي خطط تقشف لا بل على العكس، نرى أن الحكومة سخية في كل ما يخص الأجور وتقوم بعمليات حسابية بحتة. وإذا ما تبعنا المبدأ الحسابي لهذه المشاريع، نسأل الحكومة كيف يُمكن وضع مشروع موازنة بدون أن يكون هناك قطع حساب للسنين الماضية؟ أوليس بإعتمادنا على قطع حساب السنين السابقة نستطيع وضع مشروع موازنة؟ ويبقى السؤال الأساسي: كيف تستطيع الحكومة سد العجز الناتج عن 2012 والذي يبلغ 10000 مليار ليرة (6000 مليار لخدمة الدين العام، 1500 مليار ليرة للكهرباء، 2500 مليار ليرة لسلسلة الرتب والرواتب) إضافة الى إستحقاقات الإصدارات التي ستأتي في هذا العام 2013 (1,525 مليار دولار) وخدمة الدين العام والكهرباء وغيرها لـ2013 ؟ من المؤكد أن عدد مصادر التمويل محدودة وتكمن في النقاط التالية: – إصدارات جديدة: والتي بحسب رأينا ستزيد خدمة الدين العام كما والفجوة بين أسعار الفائدة والنمو الحقيقي، وبالتالي الدين العام وبالتالي ضرب الليرة اللبنانية. – ضرائب جديدة: بغض النظر عن هذه الضرائب، فإنها ستقتل النمو. إذ من المعروف أنه في الأوقات العصيبة يجب إتباع سياسة تمدُّدية (Expansionist) لتحفيز النمو. – إتباع سياسة تقشفية تسمح بتوفير قسم من هذا المبلغ وهذا ما لم يرد في مشروع الموازنة. في النتيجة، اذا كانت الحكومة تبحث فعلا عن الانقاذ عليها اتباع الخطوات التالية: – وضع مشروع موازنة واقعي يأخذ بالإعتبار واقع لبنان المحلي والإقليمي. – وضع خطة تقشفية تبدأ بلجم الهدر والأجور غير الواقعية وجباية مستحقات الدولة من ضرائب وفواتير غير مدفوعة (3 مليار دولار) – وضع ضرائب على الأملاك البحرية والتي توازي على الأقل الضريبة على القيمة المُضافة – فرض ضرائب على الشقق الشاغرة والتي ستدر مبالغ كبيرة على الخزينة (بيروت وحدها تحتوي على 45000 شقة شاغرة) – فرض ضرائب على المولدات الكهربائية والتي تحرم خزينة الدولة من 128 مليون دولار سنوياً. – تخصيص إدارة عدد من المرافئ العامة. – بدء الشراكة الفعلية مع القطاع الخاص. – دفع المصارف الى تمويل المشاريع الإقتصادية بهدف زيادة الإستثمار (قدرة التمويل تفوق الـ 15 مليار دولار). – إتباع سياسة ضريبة لتحفيز خلق فرص عمل. – مراقبة توافد اليد العاملة الأجنبية. – إعادة تأهيل مصافي الزهراني وطرابلس لما لهذا القطاع من مستقبل واعد مع قلة عدد مصافي التكرير في العالم العربي (لوحدها قادرة على سد الدين العام بـ 56 عاماً). يبقى الشرط الأساسي لنجاح أي خطوة تأمين الإستقرار السياسي والأمني علّنا نستلحق البلد قبل الإفلاس.

http://www.aljoumhouria.com/news/index/49902