Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

كل وظيفة إضافية في القطاع العام تخلق 3 عاطلين من العمل في القطاع الخاص

جريدة الشرق | بروفسور جاسم عجاقة

لم يعد خفي أن التوظيف في القطاع العام زاد من إنفاق الدولة اللبنانية حيث أصبح هذا البند يحتل المرتبة الأولى في الإنفاق العام (32% من إجمالي الإنفاق). لكن الجدير ذكره أن سياسة التوظيف التي تستمر الحكومات المُتعاقبة بإعتمادها لها تأثير سلبي على سوق العمل في القطاع الخاص حيث تُظهر التحليلات أن كل وظيفة جديدة في القطاع العام تخلق ثلاثة عاطلين من العمل في القطاع الخاص.

تستخدم النظرية الإقتصادية عدد من المؤشرات لقياس حجم القطاع العام في الإقتصاد، ولعل حجم الإنفاق العام هو المؤشرّ الأكثر إستخدامًا للدلالة على هذا الحجم. ويهتمّ علم الإقتصاد بمعرفة هيكلية الإنفاق العام من ناحية معرفة مكوناته وحجم كل مكوّن فيه لإستخلاص تأثيره على الوضع الإقتصادي من وجهة نظر ماكرو وميكرو إقتصادية. وفي لبنان تتألف مكونات الإنفاق العام من (أرقام 2017): الأجور والتعويضات والتقاعد (32.8% من إجمالي الإنفاق)، خدمة الدين (32.4%)، النفقات التشغيلية (12.9%)، دعم مؤسسة كهرباء لبنان (8.6%)، نفقات الخزينة والنفقات الأخرى(8.5%)، والنفقات الإستثمارية (4.8%). وتُظهر هذه الهيكلية أن الإنفاق الجاري – أي الإنفاق الذي لا عائدات مستقبلية من جرائه – يُشكّل 95.2% من إجمالي الإنفاق، في حين أن الإنفاق الإستثماري – أي الإنفاق الذي يأتي بعائدات مُستقبلية – لا يتجاوز ولم يتجاوز بتاريخه الـ 4.8%.

وهنا تُشدّد الدراسات العلمية على أن تعاظم حجم القطاع العام له تداعيات سلبية في حال كان الإنفاق الجاري يتجاوز نسبًا عالية من الإنفاق العام أو أن الإنفاق العام يتجاوز نسبًا عالية من الناتج المحلّي الإجمالي. وتختلف هذه النسب بحسب البلدان حيث أن الإنفاق الجاري يزيد في البلدان التي تُقدّم خدمات إجتماعية أو في البلدان حيث تعلو نسبة الفساد. أما الإنفاق العام فيبقى مقياس لحجم الدوّلة في الإقتصاد وتتراوح هذه النسب بحسب التوجّه الإقتصادي للبلد، فمثلًا في فرنسا يبلغ الإنفاق العام 56.5% وتقلّ هذه النسبة في الإتحاد الأوروبي (45.8%)، وبريطانيا (41.1%)، والولايات المُتحدة الأميركية (37.8%). وفي لبنان تبلغ هذه النسبة 33% في العام 2017 مع تخطيها مستوى الـ 34% في العام 2008. وقد يظنّ القارئ أن لبنان ما زال تحت المستويات العالمية، إلا أن معرفة أن بلدان مثل الهند لا تزيد فيها هذه النسبة عن 12.7% أو أذربجيان 11.9% كفيل بالقول أن لبنان لا يُقدّم خدمات إجتماعية أفضل من هاتين الدولتين ما يعني أن هيكلية الإنفاق العام تطرح مُشكلة كبيرة.

وبالعودة إلى هذه الهيكلية، نرى أن نسبة الأجور والتعويضات والتقاعد من إجمالي الإنفاق العام تبلغ 32.8% (2017). وهذا يعني أن ثلث إنفاق الدوّلة يذهب أجورا إلى القطاع العام وهنا تبرز المُشكلة إذ أن هذه النسبة لا تتخطّى الـ 20% في معظم الدول التي يفوق حجم قطاعها العام حجم القطاع العام في لبنان (مثل الدنمارك، فرنسا، المانيا، إسبانيا، بريطانيا، ليتوانيا…).

في إحدى الدراسات العلمية التي أجريت على 52 دولة في طور النمو، تُشير النتائج إلى أن زيادة حجم القطاع العام يزيد من نسبة البطالة بحكم رفع الضرائب التي تُقلّل من القدرة الشرائية للمُستهلك والقدرة الإستثمارية للشركات. الجدير ذكره أن الدوّلة تُموّل إنفاقها إما من الضرائب أو الإستدانة (التي تفرض زيادة الضرائب لاحقًا)، من هذا المُنطلق نرى أنه كلما زاد الإنفاق وبالتحديد الإنفاق الجاري تزيد الضرائب أو الإستدانة وهذا له تأثير على الإقتصاد من النواحي التالية:
1 Banner El Shark 728×90

أولًا – زيادة الضرائب تلجم النمو الإقتصادي وتمنع الإستثمارات ما يزيد البطالة.

ثانيًا – الإستدانة العامة تحرم القطاع الخاص من الأموال خصوصًا إذا كانت الفوائد على سندات الخزينة عالية ما يعني قلّة الإستثمارات وبالتالي زيادة البطالة .

ثالثًا – زيادة الضرائب تدفع الشركات إلى تخفيف الكلفة عليها من خلال صرف عمّال أو إستبدالهم بيد عاملة رخيصة كما هي الحال في لبنان.

على هذا الصعيد، نرى أن الزيادة في الإنفاق العام يتحمّلها بالدرجة الأولى التوظيف في القطاع العام والذي نتج عنه (إضافة إلى دعم مؤسسة كهرباء لبنان) زيادة في خدمة الدين العام. والأصعب في الأمر أن حجم كتلة الأجور إرتفع بنسبة 112% ما بين العامين 2007 و2017 من 3583 إلى 7604 مليارات ليرة لبنانية، ومع سلسلة الرتب والرواتب من المتوقّع أن ترتفع هذه الكتلة إلى 8364 مليار ليرة لبنانية في العام 2018.

هذا الواقع الآليم إضافة إلى الوضع السياسي وغياب الإستثمارات سيفرض معادلة جديدة ألا هي تفقير الموظّف في القطاع العام (مع مُعدّل 27 مليون ليرة سنويًا) ولكن أيضًا زيادة البطالة في القطاع الخاص. وتُشير حساباتنا إلى أن كل توظيف جديد في القطاع العام من الأن وصاعدًا سيؤدّي إلى صرف ثلاثة موظفين في القطاع الخاص. وستزيد هذه النسبة مع تراجع مداخيل الدوّلة نتيجة تراجع عدد العاملين وتهرّب قسم كبير من الشركات عن التصريح ما يعني أننا قد نصل إلى نسبة 1 إلى 5 في الأعوام المقبلة إذا ما تمّ رفع الضرائب بشكل كبير وهذا ما هو متوقّع نظرًا إلى الوضع المالي الحرج الذي تواجهه المالية العامّة خصوصًا في العام 2019. ولا يُمكن لأحد القول أن الضرائب لن تزيد لأن العكس يعني إرتفاع الدين العام ومعه خدمة الدين العام ما يعني إستحالة الوصول إلى توازن مالي.

بالطبع تبقى الوسيلة الأسهل للدوّلة هي بوقف التوظيف في القطاع العام ومحاربة الفساد والهدر حتى يُمكن إعادة التوازن المالي خصوصًا أننا نعيش حالة عدم إنتظام مالي مع ميزان أولي غير قادر على تغطية خدمة الدين العام.

في الختام لا يسعنا القول إلا أن على الدوّلة إتخاذ إجراءات إصلاحية عبر معالجة مُشكلتي التوظيف في القطاع العام والفساد تحت طائلة فرض إصلاحات من قبل المُجتمع الدوّلي لن تُرضي الشعب اللبناني وستزيد من الإحتجاجات الشعبية.

رابط الشرق