يتمتع الإقتصاد التركي بميزات الإقتصاد القوي والمُستقر وإستطاع على مرّ العقود الإندماج بشكل جيد في الاقتصاد الإقليمي والعالمي. ومع ذلك، يُواجه هذا الإقتصاد العديد من المُعَوِّقات (إقتصادية وسياسية) التي تؤثر على أداءه كغياب العدالة الإجتماعية، وفقدان التنظيم الإقتصاد المُتطور، والإنضمام إلى منطقة اليورو، … وأتت الإضطرابات الأخيرة التي هزّت تركيا لتخلق مخاوف في الأسواق، تمثلت بهبوط حاد لمؤشر الأسهم التركي مُنذرة بذلك بإحتمال نشوب أزمة إقتصادية خطيرة. يحتل الإقتصادي التركي المرتبة الأولى في الشرق الأوسط، السابعة في أوروبا (بما فيها روسيا)، والخامسة عشر عالمياً. هذه القوة أتت كنتيجة لعدة عوامل سمحت لبلاد أتاتورك بالإندماج بشكل كبير في الإقتصادات العالمية. وهذه العوامل هي وليدة الإصلاحات التي قامت بها الحكومة التركية في العام 2001 وإلى ثبات النظام الحاكم على مدى السنين الماضية مما سمح له بوضع خطة إقتصادية وتنفيذها. يُفيد صندوق النقد الدولي بـن الناتج المحلي الإجمالي للإقتصاد التركي يبلغ 1050 مليار دولار مع بطالة تحوم حول 8.5% وتضخم بمعدل 6.3%. كما تتوزع هيكليته على الزراعة (30%)، الصناعة (25%) والخدمات (45%) مما سمح له بالإستفادة بشكل كبير من تدني كلفة الأيدي العاملة. وعلى الرغم من العلاقات التعيسة مع دول الجوار (سوريا، العراق، إيران وقبرص)، تأتي هذه الدول في المراتب الأولى بعد ألمانيا من ناحية إستيراد البضائع التركية. في حين تأتي روسيا، الصين والمانيا في المرتبة الأولى من ناحية التصدير إلى تركيا. أما على الصعيد المالي، فلدى أنقرة مستوى دين ضمن معاهدة ماستريتش (51% من الناتج المحلي الإجمالي) والعجز في موازنتها ما دون الـ 2.5%. وقد إستطاعات تركيا بسياسة النمو التي إتبعتها منذ أوائل ثمانينات القرن الفائت أن تضمن لنفسها نسبة نمو مقبولة. ولكن هذه النسبة كانت مُتقلبة بسبب الأحداث السياسية والإقتصادية التي واجهتها كحرب العصابات في 1984، الأزمة المالية في 1994، و الأزمة المالية والإقتصادية في أواخر تسعينات القرن الماضي. وقامت الحكومة في العام 2001 بوضع خطة إصلاحية تضمنت أربع نقاط: ١- إستقلالية البنك المركزي التركي؛٢- إعادة رسملة عدد من البنوك العامة والخاصة؛٣- إقفال المصارف التي في وضع الإفلاس؛٤- إعادة هيكلة عدد من المؤسسات العامة والخاصة. وعلى الرغم من محدودية هذه الإصلاحات، أسست هذه الأخيرة البنية للوضع المالي والإقتصادي الحالي في تركيا وساعدها في ذلك عاملان: ضخامة الإستهلاك الداخلي (76 مليون تركي) وإستثمارات هائلة بلغت حدود الـ20% من الناتج المحلي الإجمالي. ودفع الوضع الإقتصادي التعيس الذي عاشته تركيا في أواخر التسعينات إلى وصول النظام الإسلامي الحالي في 2002 (أكابي).وأكملت الحكومات المتعاقبة في نفس خطة حكومة النظام السابق مما سمح بإستمرارية تنفيذ الإستثمارات مستفيدة بذلك من الأوضاع الإقليمية التي ساعدتها على تقوية الإقتصاد كالعقوبات الإقتصادية على إيران التي لم تحترمها تركيا وإعادة إعمار العراق والطلب الإماراتي على البضائع التركية. كما وكان لموقف تركيا من الحصار المفروض على غزة وتعرض سفينة السلام التي أرسلتها إلى غزة والتي إنتهت بمقتل 9 أشخاص عُزّل، أثر إيجابي كبير على الإقتصاد. بُعيد إنتهاء الحرب العالمية الثانية ودخول العالم في حرب باردة، أخذت العلاقة التركية الأميركية منحاً عسكرياً عبر التعاون القوي بين الماكينتين العسكريتين. وترافق هذا التموضع مع تدهور العلاقات التركية السوفياتية، والإضطرابات الداخلية وملف الأكراد. وبعد الإنقلاب الذي حصل في العام 1980، تطورت العلاقات الأميركية من علاقات عسكرية بحتة إلى علاقة مبنية على منطق جيوستراتيجي حيث تموضعت تركيا ضمن السياسة الغربية. وإستطاعات الولايات المُتحدة الأميركية من خلال هذا التعاون من الإستفادة من قاعدة عسكرية في منطقة الشرق الأوسط عبر حلف شمال الأطلسي كما والتأئير على السياسات العربية عبر السياسة الإقليمية التركية. وكنتيجة لهذا التعاون، نشأت علاقة تعاون عسكرية بين الدولة العبرية والدولة التركية وأخذ التعاون العسكري يتزايد وبلغ قصوته في حرب الخليج الثانية. الواقع أن تحليل السياسة الخارجية التركية، يؤدي إلى عدد من الإستنتاجات التي تُفسِر ما يحصل حالياً في تركيا. فالتوجه التركي لإحتلال زعامة العالم الإسلامي العربي، دفع النظام إلى أخذ عدة مواقف لاقت ترحيباً في الداخل التركي كما وفي دول المنطقة. فموقف تركيا من حصار غزة ومن الجار السوري شكل إلى حد كبير رجوع تركيا إلى الساحة الإقليمية وهي التي كانت غائبة عنها لعقود. ولكن نُلاحظ أن الحكومة إستغلت هذه المواقف لتنفيذ خططها بما يخص الداخل التركي وأكبر دليل على ذلك الإضطرابات التي تحصل حالياً في تركيا والتي تُشكل مع تطرف بعض القوى الإسلامية، والأزمة السورية أكبر تحدٍ للحكومة الحالية. هذه الخطط فسّرها العالم الغربي وخصوصاً ألمانيا، كتحول النظام الحالي إلى “سُلطوي” مبرراً ذلك بالقمع الذي طال المظاهرات الأخيرة. وعلى هذا الصعيد توترت العلاقات أخيراً بين المانيا، أهم شريك إقتصادي، مع تركيا على خلفية البحث في إنضمام هذه الأخيرة إلى الإتحاد الأوروبي والذي تُعارضه ألمانيا كترجمة للرأي العام الألماني. وقد هددت حكومة أردوغان برلين بعقوبات إقتصادية في حال رفضت هذه الأخيرة الموافقة على البدء بالمرحلة الثانية من المحادثات مع الإتحاد الأوروبي. وهذا إذا ما حصل سيكون له تأثير سلبي على الإقتصاد التركي بإعتبار ألمانيا من أهم شركاء تركيا في التجارة الخارجية. ويبقى القول أن المعجزة التركية التي ترجمتها سياستها الإقتصادية، فإن الحكومة التركية تقف الأن أمام خيارين حيث على الحكومة الإختيار بينهما: الإستمرار في الخط الإقتصادي والسياسي الصاعد الذي بدأه أتاتورك، أو إعتماد خط إسلامي متطرف الذي يرسم علامة إستفهام على المستقبل القريب والبعيد.