Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

هل يؤثر الحد الأدنى للأجور سلباً على النمو في ألمانيا؟

على الرغم من المعارضة التي أظهرتها حيال الحد الأدنى للأجور، رضخت المستشارة الألمانية أنجلا ميركل لضغوطات الحزب الديموقراطي الإجتماعي الألماني وقبلت بمبدأ الحد أدنى للأجور في ألمانيا. فما هي معالم هذا التدبير وهل من تأثير سلبي على النمو في ألمانيا؟

 

 

 

الحد الأدنى للأجور…الحد الأدنى للأجور هو عبارة عن الأجر الأدنى الذي يتوجب على رب العمل دفعه للعامل لقاء عمل معين. وتختلف النظرة الإقتصادية للحد الأدنى للأجور بحسب المدرسة الإقتصادية، فالنظرية النيوكلاسيكية تنص على أن الحد الأدنى للأجور يمنع الشركات من توظيف عمال يتمتعون بانتاجية منخفضة لا تُغطي الكلفة (الأجر + الضمان الاجتماعي). في حين تعتبر النظرية الليبرالية أن الحد الأدنى للأجور هو السبب الأساس للبطالة، إذ يخلق اضطرابات في سوق العمل ويمنع العمال الذين يتمتعون بمهارات قليلة من دخول سوق العمل. أما النظرية الماركسية، فترى أن الحد الأدنى للأجور يحد من تعديات أرباب العمل ولكنها تعترف ضمنياً أن ارتفاع الحد الأدنى للأجور الى مستوى عال يُسبب البطالة. وفي حين يقول اقتصاديو النيوكينزية (New Keynesian) ان الحد الأدنى للأجور هو بدون أي فائدة وغير مؤذٍ، يرى اقتصاديو البوستكينزية (Post-Keynesian) أن الحد الأدنى للأجور له فائدة ايجابية على سوق العمل لكنه يُشكل كلفة على الشركات على المدى القصير. 

 

الاقتصاد الألماني…يحتل الإقتصاد الألماني المرتبة الرابعة عالمياً من ناحية الحجم مع ناتج محلي إجمالي بقيمة 3601 مليار دولار أميركي (2012). وعلى الرغم من الوضع الإقتصادي التعيس في أوروبا نتيجة أزمة الديون السيادية، نجح الإقتصاد الألماني بتسجيل نمو إيجابي في العام 2012 بلغ 0.7%. وتحتل ألمانيا اليوم المرتبة الأولى عالمياً من ناحية حجم التصدير (951 مليار دولار أميركي في العام 2010 بزيادة نسبتها 18.5%) أمام الولايات المتحدة الأميركية والصين. في أيلول 2013، سجل الميزان التجاري فائضاً تجارياً بقيمة 27,5 مليار دولار أميركي متفوقاً بذلك على الرقم القياس السابق الذي سُجّل في تمّوز 2008 والذي بلغ 26,2 مليار دولار أميركي ليكون الإقتصاد الألماني الوحيد عالمياً بهكذا أداء والذي يعود سببه إلى الإصلاحات التي قامت بها حكومة جرار شرودر والتي إستمرّت في عهد ميركل. وعلى رأس هذه الإصلاحات تقصير مدة تعويضات البطالة وتطويل سن التقاعد إلى 67 سنة. وهيكيلة الإقتصاد الألماني تتوزع على الخدمات 71.3%، الصناعة 27,9% والزراعة 0.8%. وعلى الرغم من الأوضاع الإقتصادية البائسة في أوروبا والمساعدات المالية الألمانية للدول الأوروبية التي تُعاني أزمة ديون سيادية، إلا أن ألمانيا إستطاعت المحافظة على إقتصاد نامي ومالية عامة مقبولة: التضخم 1.2%، البطالة 5.3%، دين عام 81.6% من الناتج المحلي الإجمالي وعجز في الموازنة يبلغ 33.7 مليار دولار أي بنسبة أقل مما تفرضه معاهدة ماستريتش (3%). 

 

الحد الأدنى للأجور والنمو…أدت الإنتخابات الألمانية الأخيرة إلى فوز المستشارة الألمانية ميركل. لكن هذا الفوز لم يُعطها الأغلبية في مجلس النواب الألماني، مما يفرض عليها عقد تحالفات مع الحزب الديموقراطي الإجتماعي الألماني لتحصل على الأكثرية النيابية. وقد فرض الحزب الديموقراطي الإجتماعي شروطاً على مركيل وعلى رأسها وضع حد أدنى للأجور. وفي 21 تشرين الثاني الماضي، قبلت مركيل هذا الشرط ولكن تفاصيله لم تُحدد بعد. ومن المُتوقع أن يكون الحد الأدنى للأجور 8.5 يورو للساعة الواحدة.في المبدأ، هذا الحد الأدنى للأجور سيزيد القدرة الشرائية للمواطن الألماني مما يعني زيادة الإستهلاك وبالتالي زيادة النمو. لكن لهذه القلادة وجه أخر يتمثّل بخفض القدرة التنافسية للشركات الألمانية وخصوصاً تلك التي تُصدر إلى الخارج. والأرقام الألمانية تُشير إلى أن 25% من موظفي الشركات الصغيرة والمُتوسطة الحجم يتلقون أجراً أقل من 8.5 يورو للساعة الواحدة. وللذكر، قوة الإقتصاد الألماني تكمن في القدرة التنافسية للشركات المُصدّرة بنسب عالية إلى العالم وهي عبارة عن قدرة تنافسية في الهندسة وفي الكلفة. على الصعيد الإستراتيجي، وضع حد للأدنى للأجور في ألمانيا سيدفعها إلى إعادة النظر في إستراتيجيتها فيما يخص المنافسة عبر كلفة يد عاملة قليلة لتقوية صادراتها إلى الخارج. والمستفيد الأكبر من هذا الإجراء سيكون دول منطقة اليورو التي سترى زيادة في قدرتها التنافسية مع البضائع الألمانية. وبمعنى آخر كنتيجة لهذا الحد الأدنى للأجور سيرتفع الإستهلاك المحلي وتقل الصادرات. 

 

الخاتمة…وإذا كانت هذه الخطوة عادلة من الناحية الاجتماعية لأنها تسمح لـ 15% من العمال الألمان بالحصول على حياة أفضل، إلا أنها خطوة غير عادلة بحق الاقتصاد الألماني والذي أقل ما يُقال عنه ضمانة منطقة اليورو وعملته. http://www.lebanonfiles.com/news/634699