jassemajaka@gmail.com
الإقتصاد الخليجي يتكبّد الخسائر
في الإتحاد قوة! هذا ما تُثبته التحليلات الإقتصادية حول موضوع العملة العربية الموحدة بين دول الخليج العربي، والتي تُظهر أنّ هذه الدول تتكبد خسائر سنوية بنحو 1.59 % من الناتج المحلي الإجمالي لإقتصادات هذه الدول مجتمعة كنتيجة لعدم إعتمادها عملةً موحدة. أدّى توسّع القبائل والعشائر العربية في جنوب شبه الجزيرة العربية في القرون الأولى بعد الميلاد إلى خلق دول نموذجية تحتفظ بخصائصها حتى يومنا هذا. وخلق الإستعمار العثماني والذي دام ما يُقارب الـ 500 سنة نموذجاً آخر من الدول العربية، تكونت بشكل أساسي في أواسط القرن الماضي. لكنّ هذه الدول ومنذ الحكم العثماني، أخذت بتوريط القوى الأجنبية في شؤونها الداخلية على مثال أزمة العام 1840 حين دعى العرب فرنسا وبريطانيا لطرد الأتراك من أرضهم.
وكان للصراع العربي-الإسرائيلي دور رئيسي في زيادة الإنقسام بين الدول العربية، فالحرب ضدّ الإمبريالية أدّت إلى تخوين الأنظمة العربية من قبل بعضها البعض. وللذكر، إعتمد الرئيس المصري جمال عبد الناصر استراتيجيةَ التخوين بحق بعض الأنظمة العربية ودعاهم بعملاء الامبريالية، وبالتالي عملاء الصهيونية.
وبذلك أصبحت استراتيجية محاربة الإمبريالية أداةً للصراع على السلطة داخل البلدان العربية، وضدّ التدخل الخارجي في الوقت نفسه، وهذا ما ساهم في إضعاف الأنظمة العربية. وأصعب ما في الأمر أنّ هذا التخوين أخذ بعداً دينيّاً لـ “شيطنة” الخصم من خلال البعد التاريخي للصراع العربي-الفارسي.
وبدأت إقتصادات الدول العربية ترزح تحت ثقل هذه الصراعات والتي كانت تأخذ طابع المواجهات العسكرية في بعض الأحيان. وأخذت الدول العربية في الإنخراط في النظام العالمي (بشكل جيد) إلّا أنها أساءت إلى قدراتها الإقتصادية عبر إندماج كلّ دولة إنفرادياً في هذا النظام ما جعلها عرضة للأزمات الإقتصادية والمالية.
وبنظرة إلى إقتصادات الدول العربية نرى أنه من الممكن تصنيفها إلى ثلاثة أقسام: الدول النفطية (كدول الخليج العربي) التي تتميز بإقتصاد مبني بشكل أحادي على الثروة النفطية وصناعة نفطية قوية تُساند إستخراج النفط؛ الدول شبه – الصناعية (كمصر) والتي تتميز بضعف إقتصادها حيث عجزت الصناعة عن أخذ دورها بالكامل نتيجة عدة عوامل أهمها سياسية؛ والدول الخدماتية (كلبنان) والتي تدور إقتصاداتها حول الخدمات وتتميز هذه الإقتصادات بضعف كبير ناتج من الأوضاع السياسية التي تُطيح بالإقتصاد عند كل خضة سياسية.
اللافت في الموضوع هو ضعف التبادل التجاري بين الدول العربية حيث تحتل الدول الأجنبية المراتب الأولى في التبادل التجاري مع الدول العربية إن من ناحية الإستيراد أو التصدير.
كما أنّ القطاعات السياحية والزراعية والصناعية هي قطاعات ضعيفة مقارنةً بالدول المُتطورة وحتى مقارنةً بالدول النامية. وتعود الأسباب بشكل رئيسي إلى تركيبة الأنظمة العربية المعادية لبعضها البعض وتخوين كل فريق للفريق الآخر ما خفف التعاون الإقتصادي بين هذه الدول.
كما وأنّ الخلاف على الحدود أدّى إلى حروب عدة في العالم العربي وزاد من الإنقسامات. كلّ هذا ساهم في ضعف الإستثمارات العربية في الدول العربية الأخرى وتفضيلها دولاً أجنبية وإقليمية أخرى حيث الثبات السياسي والحرية الإقتصادية كما وإلى غياب إستراتيجية إنمائية موحدة للدول العربية مجموعة.
وكان للبعد الديني، الفكري، والإقتصادي أثرٌ كبير في توحيد مصالح دول الخليج العربي أي المملكة العربية السعودية، الكويت، البحرين، الإمارات المتحدة العربية، قطر وعُمان. ودفعها لإنشاء ما يُسمّى مجلس التعاون لدول الخليج العربي والذي أثبت نجاحه إلى حدّ بعيد على منطق أنّ إعتماد إقتصادات هذه الدول بشكل أساسي على النفط والغاز، عزّز من قدرتها على المفاوضات في سوق عالمية أصبحت المنافسةُ فيه شرسة.
ويقوم هذا المجلس على مبدأ التعاون الإقتصادي قبل كل شيء (بالإضافة إلى تعاون عسكري) بهدف خلق سوق مشتركة خليجية عبر فتح الحدود بين الأشخاص، رؤوس الأموال، والسلع كما ومشروع خلق عملة موحدة على مثال العملة الأوروبية.
ونصّ الإتفاق بين المصارف المركزية لهذه الدول، على خلق عملةٍ موحدة وخلق مركز مصرفي خليجي ليحلّ محل المجلس النقدي الخليجي الحالي. وإستطاعت المصارف المركزية التوصل إلى تحديد أهداف في ما يخص الدين العام والعجز المالي (Convergence Criteria)، إلّا أنها لم تستطع التوصل إلى إتفاق فيما يخص التضخم المرتفع في معظم هذه الدول والذي يؤدي إلى تغيير قوي في الأسعار على الأمد الطويل.
لكنّ رغبتها بخلق عملة موحدة فيما بينها، إصطدم بصعوبات عديدة ظاهرها سخيف وباطنها يُظهر عدم إستعداد هذه الدول حتى هذه اللحظة إلى خوض تجربة العملة الواحدة. وعدم الإستعداد هذا يُؤدّي إلى خسارة فرص إقتصادية كبيرة إن من ناحية الملاءة الشاملة، التنويع، النمو الإقتصادي أو قيمة صرف العملة.
وعلى رغم الإتفاق على عدة مواعيد لإطلاق العملة الموحدة، إلّا أنها باءت كلها بالفشل. وتعود الأسباب إلى تردّد الكويت التي تُفضل ربط العملة بسلّة عُملات بدلاً من ربطها بالدولار أو اليورو، إعتراض الإمارات العربية المتحدة التي تحتجّ على اختيار الرياض كمركز للمصرف المركزي الخليجي، وإنسحاب سلطنة عُمان من المشروع.
كلّ هذا دفع دول المجلس إلى تأخير إطلاق العملة الموحدة أقله إلى العام 2015.بحسب الدراسة التي قمنا بها، فإنّ عدم إعتماد عملة خليجية موحدة يُكبّد هذه الدول خسائر (Cost Of Opportunities) تُقدَّر بـ 1.59% من الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول مجتمعة.
فمعدل النموّ في هذه البلدان والبالغ 4.56% في العام 2013 كان ليبلغ 6.24% لو أنّ العملة الخليجية الموحدة موجودة، ولكادت تكون قيمة هذه العملة أقوى مقابل الدولار من مجموع العملات الخليجية مُجتمعة، وقدرتها أكبر على مقاومة الأزمات بشكل أفضل كما هي الحال في العام 2009 (أنظر إلى الرسم).
ويعود السبب الرئيسي لهذه الخسائر إلى ضعف الإستثمارات فيما بينها والتفاوت في الفوائد، وعدم التنويع في إقتصاداتها والتي تُلزمها إستيراد البضائع والسلع من الدول الأخرى وما لذلك من تأثير في العملات الوطنية.
إنه لمن المُؤسف أن تُفوِّت دول الخليج العربي فرصةً ذهبية مثل هذه الفرصة والتي كانت لتُشكل باب خلاص لكثير من الدول العربية الأخرى التي تتخبط في أزمات إقتصادية ومالية جمّة.
كما وأنها كانت لتسمح بخلق سوق عربي مع ناتج محلي يُقارب الـ 2 تريليون دولار أميركي ويتخطى عدد سكانه الـ 300 مليون نسمة. وتشرذم الدول العربية الناتج بشكل أساسي عن العامل السياسي، يُلقي بظلاله على إقتصادات الدول العربية التي تتشرذم ومعها العملات الوطنية.