Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

حقيقة تسعير المحروقات في لبنان

تُساهم الضرائب على المحروقات في دعم خزينة الدولة، وهذه الضرائب التي يدفعها المستهلك عرضة للتقلبات بحسب الأسعار العالمية وهي ليست الوحيدة التي تساهم في رفع أسعار البيع بالتجزئة. وفي لبنان تبقى هذه الأخيرة من بين الأعلى إقليمياً حيث يتواجد لبنان في المراتب الأربع الأولى بحسب نوع المحروقات. البترول عبارة عن طاقة أحفورية تمّ إكتشافها في القرن التاسع عشر، لكنها موجودة فعلياً في الطبيعة منذ خلق الكون. ومنذ بداية العصور الوسطى، لحظ المؤرّخون العرب والبيزنطيون إستخدام مادة النفط في المعارك والحصار البحري في الشرق الأوسط.

هذه المادة التي سُمِّيت بالنار اليونانية، تم إكتشافها على يد لبناني إسمه تيوفان العراف من مدينة بعلبك الذي صنع سلاحاً من هذه المادة سُمي بـ «سلاح الخوف» وأستُخدم للمرة الاولى من قبل جيوش الامبراطورية البيزنطية ضدّ جيوش الخليفة في العام 672.وأمّن هذا السلاح النصر للإمبراطورية التي كانت على وشك الهزيمة.

لكن مع إكتشاف القدرات الإقتصادية لمادة النفط في العام 1895 على يد الأميركيين، بدأت هذه المادة تأخذ مكاناً مهماً في الإقتصاد إلى حدّ إعتبار النفط اليوم عصب الإقتصاد. ويُستخدم النفط في تصنيع ما يزيد على 95% من الأشياء التي تحيط بنا.

وبما أنّ هذه الثروة ليست موجودة في كل الدول، تعمد هذه الأخيرة إلى شراء النفط من الدول المنتجة. وحال لبنان في القرن الماضي لم يختلف عن حال العديد من الدول، حيث بدأ بإستيراد النفط وتخزينه في ثلاثينات القرن الماضي. وتطورت عملية إستيراد النفط عبر مدّ أنابيب من العراق في العام 1935 وترافقت هذه العملية مع إنشاء مصفاة طرابلس.

وفي العام 1949، قامت السعودية بمدّ أنابيب نفط لضخه إلى مصفاة الزهراني. في ذلك الوقت كانت هذه الأنابيب تدرّ أموالاً على خزينة الدولة بمعدل 11 سنتاً للبرميل. لكنّ الحرب الأهلية في لبنان أدت إلى توقف المصافي عن العمل وأصبح لبنان يستورد النفط بواسطة البواخر ما زاد الكلفة.

وفي أيام الوصاية السورية، أخذت الكلفة بالإرتفاع مع وجود شبكات كانت تفرض ضرائب غير قانونية على البواخر التي تدخل المرافئ اللبنانية حيث كانت الشركات النفطية تقوم بالمشاركة في مناقصتين متزامنتين في لبنان وفي سوريا لإستيراد المشتقات النفطية. وكانت تعرض في لبنان السعر العالمي زائداً 19 دولاراً، وتعرض في سوريا السعر العالمي زائداً 11 دولاراً.

والمرسوم الاشتراعي رقم 79 (27/6/1977) أعطى وزارة الصناعة والنفط في ذلك الوقت الحق بعقد صفقات بيع وشراء وتصدير واستيراد المشتقات النفطية كما وتحديد رسم تخزين المحروقات وكلفة التخزين. أما سعر النفط المستورد، فإنّ الآلية المتبعة اليوم تنص على أن تقوم الشركات المستوردة للنفط (وعددها قليل) بتحديد الأسعار عبر مناقصات أسبوعية تقوم بها وزارة الطاقة والمياه على أساس المعدّل الوسطي لسعر طن البنزين في الأسبوع المنصرم.

من هنا يُمكن الإستنتاج أنّ الأسعار العالمية وأسعار البيع بالتجزئة ممكن أن تأخذ إتجاهات معاكسة في بعض الأحيان (Shift)، لكن من المفروض أنّ حجم التغيّرات يجب أن يتبع الأسعار العالمية.

وإذا ما أخذنا بعين الإعتبار السياسات الضريبية المعتمدة من قبل الدول كما وكلفة الإستيراد التي هي خاصة بكل دولة، نستنتج أنّ فرق أسعار البيع بالتجزئة بين الدول المجاورة يجب أن لا يكون كبيراً. إلّا أنه من الواضح أنّ السياسة الضريبية في لبنان والأسعار التي تعرضها الشركات أعلى من كثير من دول المنطقة حيث يأتي لبنان في المرتبة الرابعة إقليمياً من ناحية حجم أسعار البيع بالتجزئة للبنزين من فئة أوكتان 95.

وما يعزّز فكرة تضخّم الأسعار نسبة إلى باقي الدول هو مجرد المقارنة بين لبنان وفرنسا. ففي فرنسا التي يبلغ فيها الحدّ الأدنى للأجور 1879 دولاراً أميركياً (4.7 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور في لبنان)، يبلغ سعر ليتر البنزين 95 أوكتان 2.21 د.أ. (1.89 أضعاف السعر في لبنان).

ثغرة في القوانين…

إنّ عدم وجود تفاصيل في القوانين المرعية الإجراء، يسمح بنفخ الأسعار في مناقصات وزارة الطاقة لاستيراد المازوت والفيول عبر الشركات المحلية. فالإعتماد على فاتورة من بلد المنشأ حيث تمّ إستيراد المشتقات النفطية غير كافٍ ويتوجب فرض معايير أخرى لتحديد السعر كفرض هامش محدّد لا يمكن تجاوزه… وغيرها من القيود التي قد تعمل على ترشيد الأسعار.

كما من المطلوب إشراك الجمعيات المدنية (كحماية المستهلك) وديوان المحاسبة في عمليات المناقصة التي تتمّ وذلك عبر إعطائهم دوراً مراقباً على هذه العمليات لضمان الشفافية من ناحية تركيبة الأسعار وخصوصاً أسعار البنزين. ومجرد صدور جدول أسبوعي عن وزارة الطاقة لتركيب الأسعار يستند الى فواتير المنشأ التي تقدمها الشركات المستوردة نفسها من دون أيّ تدقيق أو مراقبة لصحة هذه الفواتير وتواريخها غير مقبول.

ومن المعروف في الإقتصاد أنّ الشركات تعمد إلى الإحتكار عبر تنظيمات خاصة بالأسواق (Monopoly, Oligopoly). لذا تعمد الدول إلى نصّ قوانين تمنع الشركات من الإتفاق على الأسعار. وإذا كانت الـ Monopoly ممنوعة في الدول المُتطورة، إلّا أنّ الـ Oligopoly مسموحة شرط عدم الإتفاق الضمني على الأسعار.

وفي حال لبنان، نرى أنّ الشركات تتجمّع ضمن Oligopoly ما يفرض إحتمالية وجود حرية المفاوضات الضمنية على الأسعار ويؤدي الى زيادة هامش الأرباح في ظل غياب المنافسة في السوق.

ونلاحظ أيضاً أنّ الشركات المعنية لا تستثمر في لبنان على رغم الأرباح التي تحققها. فخزانات المشتقات النفطية التي تنتشر على طول الساحل اللبناني وفي وسط المناطق المأهولة بالسكان، هي عرضة للأحداث نتيجة تآكل البنية التحتية والتي غاب عنها الإستثمار لعقود. لذا المطلوب من الدولة الفرض على الشركات أن تخصّص قسماً من أرباحها لتأهيل هذه المنشآت.

لا يسعنا القول في النهاية إلّا أنّ الخسائر الإقتصادية الناتجة عن إرتفاع أسعار المحروقات والتي هي «بنزين الإقتصاد» هي حقيقية. لذا المطلوب في هذا الوقت من الحكومة العتيدة أن تشرع إلى سنّ قوانين جديدة تضبط من خلالها قطاع المحروقات الذي هو قطاع إستراتيجي ومعادلة مهمة في إيرادات الخزينة.

رابط الجمهورية