Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الصندوق السيادي: ضمانة للأجيال المُستقبليّة

في العام 1953، خلقت الكويت أول صندوق سيادي في العالم. اليوم وبعد مرور 60 عاماً، أصبح عدد الصناديق السيادية في العالم يفوق الخمسين صندوقاً (56)، فلماذا هذا الاهتمام الدولي بالصناديق السيادية وكيف يُمكن للبنان الاستفادة من صندوق سيادي؟

 

 

 

لا يُمكن التفكير بصندوق سيادي إلا من منظار ضمان حقوق الأجيال المُستقبلية. هذا القول ليس بغير واقعي بل على العكس. تكفي مراقبة تاريخ البلدان التي أنشأت صناديق سيادية ومراقبة مستقبل أبناء هذه البلدان ومقارنته مع مستقبل شباب لبنان الحاليين والمستقبليين لكي نتأكد من هذه الحقيقة. إذا نظرنا إلى دولة قطر، يستغرب المرء كيف استطاع هذا البلد الصغير بمساحته وبعدد سكانه أن يحتل هذه المكانة الاستراتيجية على الصعيد الإقليمي والدولي. قد يكون الجواب الأول للقارئ أن هذا بفضل ثروته النفطية. نعم هذا صحيح، لكن هذا قسم من الجواب، فصندوق قطر السيادي (Qatar Investment Authority) والذي يبلغ مجموع أصوله ما يقارب الـ 100 مليار دولار سيؤمن لقطر تمويل كل ميزانيتها من عائدات هذا الصندوق بحلول 2020 وذلك من دون أن يكون للبترول أي دور في ذلك! فقد أخذت قطر بالإستثمار في مشاريع عدّة وشركات عالمية في فرنسا، إيطاليا، أميركا، بريطانيا… هذه الاستثمارات التي يقوم بها جهاز قطر للاستثمار (الصندوق السيادي القطري) تشمل مختلف المجالات الصناعية، الخدماتية، المصرفية، والزراعية في العالم. ولخفض المخاطر الناتجة عن تقلب أسعار العملات، قام جهاز قطر للاستثمار باعتماد التنويع في الاستثمارات وفق العملات 40% من أصوله بالدولار الأميركي، 40% باليورو، و20% بباقي العملات. وماذا يُمكن القول عن الصين وعن قدرتها الاقتصادية الهائلة والتي استطاعت خلق 5 صناديق سيادية بقيمة 1,441 مليار دولار أميركي، أو إمارة أبو ظبي التي خلقت صندوقين بقيمة 733 مليار دولار. من الواضح أن معظم الدول التي خلقت صناديق سيادية هي دول تملك ثروة نفطية. وكان من الطبيعي أن تحذو حذو الكويت في خلق صناديق سيادية من ناحية أن هذه الدول ترى في الصندوق السيادي طريقة لضمان مستقبل الأجيال المستقبلية بعيداً عن متهات الصرف والديون الحالية. وقد ساعد في دعم هذا الاعتقاد عوامل عدّة وعلى رأسها:– النمو الدائم لأصول هذه الصناديق والتي تُظهر الدراسات أنه وعلى الرغم من وضع الاقتصاد العالمي وأزمة الديون السيادية في أوروبا، فإن نمو هذه الصناديق في الوقت الراهن هو شبه أكيد؛– تنويع الاستثمارات التي شملت مختلف أنواع القطاعات والشركات في العالم والتي سمحت للصناديق بتولي مناصب في مجالس الإدارة لهذه الشركات؛– خلق صناديق حديثاً في دول نامية مثل البرازيل وفينزويلا وغيرها والتي تعتمد على صادرات مواد أولية تسمح بفائض تجاري. 

 

الصندوق السيادي اللبناني…يتراوح حجم الثروة النفطية اللبنانية ما بين 370 مليار دولار أميركي (مع احتمال 95%) و1700 مليار دولار أميركي (مع احتمال 5%)، وأساس هذه الثروة هو الغاز الطبيعي. وكما هو معلوم فإن للنفط بعداً إستراتيجيّاً مُذهلاً يجعل من البلدان التي تملكه دولاً غنية ولها مكانتها على الساحة السياسية العالمية. وهذه الثروة التي نتأمل البدء باستخراجها لن تدوم إلى الأبد، لذا يتوجب التخطيط الى مرحلة مع بعد هذه الثروة وذلك عبر خلق صندوق سيادي يسمح بالاستثمار المتنوع في شركات عالمية ويضمن للبنان موازنته بغض النظر عن النشاط الاقتصادي (على مثال قطر). وهذا الصندوق الذي هو تحت وصاية الدولة، يُخلق بواسطة قانون من مجلس النواب أو يُقرّ في الدستور. وتتمّ إدارة هذا الصندوق من قبل مجلس يضمّ أعضاء من الحكومة (وزير المال، وزير الإقتصاد…)، حاكم مصرف لبنان، وممثلين من القطاع الخاص بالتساوي مع الأعضاء من الحكومة وحاكم مصرف لبنان. وتُعهد إدارته إلى مصارف استثمار عالميّة على أن يتمّ تنويع الاستثمارات على القطاعات، المناطق الجغرافية وعلى العملات. هناك مخاطر عدّة تنتج عن خلق صندوق سيادي: الخوف على قيمة الأصول، نقص في الشفافيّة، الأخلاقيات في الاستثمارات… هذه المخاطر يُمكن تفاديها عبر وضع قيود على إدارة الصندوق. وتتمّ تغذية هذا الصندوق من مصادر عدّة وعلى رأسها عائدات الثروة النفطيّة، الهبات، الفائض في الميزانية وغيرها. لكن يبقى هذا كلّه رهينة الإصلاحات التي من الواجب على الحكومة أن تبدأ العمل عليها. والخطوة الرئيسة التي تُظهر الاهتمام بالأجيال المُستقبليّة، هي وضع قاعدة تنصّ على تخصيص دولار واحد كلّ يوم لكلّ طفل لبناني حتى بلوغه سن الثمانية عشر عاماً. نعتقد أنّه آن الآوان لكي يمتلك لبنان صندوقه السيادي علّه يكون باب الخلاص للأجيال المستقبليّة. http://www.lebanonfiles.com/news/718600