يستورد لبنان ما يُوازي الـ 5 مليار دولار من المشتقات النفطيّة سنوياً. هذا المبلغ الموازي تقريباً لعجز الموازنة، يُشكل 11% من الناتج المحلي الإجمالي في حين أن الفاتورة الحرارية لفرنسا لا تزيد عن الـ 2%! تُباع المنتجات الحرارية – مثل الكهرباء – في أسواق منظمة وأسواق محررة (Regulated and Deregulated). وحركة تحرير الأسواق بدأت في بريطانيا في العام 1980 أولاً في قطاع الغاز وبعدها الكهرباء كنتيجة لسياسة الخصخصة التي اتبعتها رئيسة وزراء بريطانيا مارغريت ثاتشر. وتختلف هيكلية السوق وآليات تسليم المنتجات الحرارية وفق نوع الطاقة – كهرباء، نفط، غاز، فحم – مما يتطلب مراقبة مختلفة من قبل الدولة لكل سوق. هذا التحرير بدأ بالانتشار في العالم في تسعينات القرن الماضي، والنتيجة أداء إقتصادي أعلى في معظم الدول التي حررت قطاعها الحراري وخصوصاً أن هذا الأداء كان ضعيفاً عندما كانت الدولة تحتكره (كما هو حال قطاع الكهرباء في لبنان). وهذا التحرير فرض وجود ثلاث وظائف رئيسة في سلسلة توريد الطاقة للسوق: مولّد الطاقة، الموزع والمورد. مولّد الطاقة مسؤول عن إنتاج الطاقة إن كانت كهرباء، أو إستخراج النفط الأحفوري وتكريره. ويعتمد توليد الكهرباء على الطاقة الأحفورية بشكل كبير مع العلم أنه توجد مصادر أخرى كالطاقة البديلة (النووية، الكهرومائية، الهوائية، والشمسية…). أما موزع الطاقة، فهو مسؤول عن التخزين ونقل الطاقة إلى المستهلك عبر بنية تحتية (شبكة كهربائية، أنابيب، صهاريج…). وهذه الوظيفة تفرض تأمين استثمارات في البنية التحتية لأسباب تتعلق بالسلامة العامة كما والأداء الحراري (Energy Efficiency). ومورد الطاقة هو المسؤول عن إتمام العملية التجارية مع المستهلك مما يعني أن المورد يتحمل مسؤولية تأمين المنتجات الحرارية من أي مصدر كان وعبر أي موزع كان بهدف تلبية حاجة المستهلك المحمية من القانون. وبنظرة إلى واقع الطاقة في لبنان، نستنتج:
- الكهرباء: تُسيطر الدولة على الثلاث وظائف (حتى ولو لم يكن إنتاج الكهرباء حصري على الدولة إلا أنّ نسبته تبقة ضيئلة) وكنتيجة لهذه السيطرة، يعيش هذا القطاع حالة مزرية تبدأ من الإنتاج مروراً بالتوزيع إلى الجباية. وبالطبع لا إستثمارات ولا تحسين للخدمة مع تكلفة توازي الـ 2 مليار دولار سنوياً من خزينة الدولة.
- المشتقات النفطية (بنزين، مازوت، غاز…): إن هيكلية هذا السوق على الرغم من ظاهرها المُحرر هي هيكلية احتكارية (Oligopoly used to be Monopoly) من ناحية أنّ أيّ مستثمر يتمتع بقدرة ماليّة تسمح له بالدخول إلى هذا السوق، سيجد نفسه أمام عوائق كثيرة أولها إداري من ناحية الرخص. والنتيجة تقلب أسعار هذه المشتقات مع كل طلوع فجر نهار أربعاء ومع أسعار هي الرابعة إقليميّاً من ناحية المستوى.
وبتقييم كلّي للقطاع الحراري نرى أنّ فاتورة الاستيراد الحراري في لبنان تبلغ 5 مليار دولار أميركي لناتج محلي إجمالي 45 مليار دولار أميركي. أي أنّ فاتورة الاستيراد الحراري تُكلف لبنان 11% من ناتجه المحلي الإجمالي، في حين تبلغ هذه النسبة في فرنسا 2%. والاستنتاج الأول هو أنّ تحسين أداء الاقتصاد في حالة فرنسا ظاهر ويعود بنسبة كبيرة إلى تحرير القطاع الحراري. من هنا يتوجب على الحكومة اللبنانية وضع خطة لتحرير القطاع الحراري تتضمن رفع يدها عن الكهرباء، فتح سوق المشتقات النفطيّة للمنافسة مع تسهيل المعاملات الإداريّة للداخلين الجدد وتحفيز المستهلك ضريبياً لاعتماد الاستهلاك ذي الأداء العالي (Efficient use) بهدف ترشيد الاستهلاك الحراري وتخفيض كلفته التي وحدها كافية لسد عجز الموازنة العامة. http://www.lebanonfiles.com/news/721822