Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

الإتفاق النووي الإيراني نعمة أم نقمة؟

هاجر كنيعو

عامان من الصدام بين ايران ودول الـ 5+ 1 اثمرا اتفاقاً حول برنامج طهران النووي. وبهذه الخطوة التاريخية، باتت إيران قوة إقليمية نووية بإعتراف الدول الكبرى، في مشهد سيخلط أوراق اللعبة من جديد على الساحتين السياسية والإقتصادية، أقل ما يمكن وصفه بـ«الزلزال الجيوستراتيجي».

 


مما لا شك فيه أن العقوبات المالية التي فرضت على الجمهورية الإسلامية الإيرانية على مدى 30 عاماً ، أنهكت الإقتصاد الإيراني الذي يقدر حجمه بنحو 370 مليار دولار. وهذه العقوبات وفق ما يؤكد الخبير الاقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة لـ«الديار» غطت الشق الاقتصادي، المالي والعسكري، وشملت القطاع الغذائي والصحّي، وظهرت مفاعيلها إلى العلن عبر تدهور سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار الأميركي بأكثر من 56% ما بين 2012 و2014، وعبر غلاء السلع الاستهلاكية والبضائع (50% لبعض السلع الغذائية).

وفي القطاع النفطي، أخذت تداعيات العقوبات الإقتصادية منحى خطراً بحسب عجاقة حيث إنخفض تصدير البترول الخام من إيران إلى النصف في العام 2012 مقارنة بالعام 2011 في بلد يُشكل فيه تصدير النفط أكثر من 80% من حجم الصادرات الإيرانية و50% من مدخول الدولة، وفي الحصيلة، وإحتلت إيران المرتبة الخامسة من حيث صادرات النفط الخام مقابل المرتبة الثالثة في العام 2010. كما كان للعقوبات المصرفية تأثيرها الكبير من ناحية أن إيران لم تستطع قبض ثمن النفط المُصدّر. علماً أن إيران تمتلك رابع أكبر احتياطيات النفط وثاني أكبر احتياطيات الغاز الطبيعي المؤكدة في العالم و بلغ الإحتياطي الإيراني المؤكد من النفط 154 مليار برميل (9% من الإحتياطي العالمي) لكنّ العقوبات الدولية منعت الإستثمارات في هذا القطاع ، الأمر الذي أدى إلى استنزاف الطاقة الإنتاجية بسبب معدلات التراجع العالية لآبارها (12%) وانخفاض معدلات الإسترداد الفعلي التقني (27%).

ومع نجاح المحادثات الإيرانية ودخول هذا الإتفاق حيّز التنفيذ في نهاية خمسة الأشهر المقبلة، يرى عجاقة أن لهذا الإتفاق تداعيات إيجابية على إيران كخطوة أولى لبدء رفع العقوبات المفروضة على طهران ، تمهيداً لإعادة إيران على الخارطة الإقتصادية العالمية من جديد. ـ ابرز هذه التداعيات تتمثل في تحرير اموال ايران المجمدة في المصارف الغربية ، أيّ إستعادة الأصول التي تتراوح بين 120 مليار و150 مليار دولار، إلى جانب إسترداد إحتياطها من الذهب البالغ 500 مليار دولار ، على أثر رفع العقوبات بعد الموافقة عليها من الكونغرس الأميركي.

ويوضح عجاقة أن من مصلحة الشركات النفطية العالمية البدء بالمحادثات مع المسؤولين في طهران بغية التحضير لعقود استثمارية في قطاعي النفط والغاز الطبيعي. وهذه الحاجة تطال أيضاً الدول الإقليمية وعلى رأسها باكستان التي كانت تنتظر بصبر نافد الوصول إلى إتفاق مع إيران لكي تُكمل العمل على خط الغاز الطبيعي بين إيران وباكستان. إذ أن المفوضات المكثفة حول الملف النووي الإيراني دفعت باكستان في العام 2013، في خطوة استباقية، إلى الطلب من الصين إنشاء الشق الباكستاني من الأنبوب والذي تبلغ كلفته بين 1,5 و1,8 مليار دولار أميركي – 85% من هذا الملبغ مُموّل من الصين- وهو عبارة عن أنبوب طوله 1750 كلم، منها 750 كلم في باكستان و1000 كلم في إيران، وسينقل الغاز الطبيعي منAsaloyeh في إيران إلىNawabshah في باكستان على طول الساحل البحري للدولتين، الأمر الذي سيشكل حلاً لأزمة الكهرباء في باكستان بحكم النقص الكبير في فيول معامل توليد الطاقة.

كما أن هذا الإتفاق سينعكس إيجاباً على القطاع التجاري، عبر تطوير التبادل التجاري بين إيران وكل من قطر ، سلطنة عمان و دول الإمارات العربية المُتحدة وعلى رأسها إمارة دبي. هذه الحاجة ظهرت مع ظهور العقوبات في العام 2012 حيث كان حجم التبادل التجاري بين إيران ودبي بحدود الـ 12 مليار دولار أميركي وقلّ بنسبة 30% بحسب صندوق النقد الدولي إثر فرض عقوبات.

لبنان المستفيد الأول إقليمياً
بعيد الاتفاق التاريخي على البرنامج النووي الإيراني ـ بدأ الحديث عن التدعيات الاقتصادية والسياسية على لبنان وعلى المنطقة. وعلى هذا الصعيد يتوقع عجاقة أن تكون التداعيات الاقتصادية على لبنان هائلة في ظل تعامل يجمع لبنان وإيران من دولة إلى دولة، أمّا إذا كانت الإتفاقيات محصورة بين طرف حزبي وإيران فعندئذٍ ستفضي هذه السبل في التعاون إلى الفشل. ويقول عجاقة أن التداعيات ممكن أن تكون إيجابية على كل القطاعات وعلى رأسها قطاع الطاقة لذا من المهم الإستفادة من الفرصة الحالية لتوقيع عقد مع إيران لبناء محطات كهربائية بسعة 1000 ميغاواط بشروط ميسرة، الذي تم رفضه في السابق لأسباب سياسية .وسيتمثّل هذا الإنفتاح مع لبنان بزيادة التبادلات التجارية، وخصوصاً المصرفية، حيث سيشهد لبنان توافد رؤوس أموال إيرانية إلى المصارف والشركات المالية اللبنانية بهدف الإستثمار في الأسواق العالمية.

وخلافاً لتوقعات المحللين حول التأثيرات المحتملة لزيادة صادرات النفط الإيرانية، يستبعد عجاقة إنخفاض اسعار النفط إلى ما دون 50 دولاراً، على إعتبار أن إيران لن تنتج أكثر من حصتها في الأوبك ، فالزيادة في الإنتاج التي قامت بها المملكة العربية السعودية العام الماضي واستمرارها في المحافظة على قيمة العرض نفسها هي التي أدت إلى تدهور اسعار النفط وبحسب التقرير الصادر عن منظمة الأوبك، يتوقع أن يستمر الوضع على حاله أقلّه حتى العام 2018-2019، ليبدأ بعد ذلك الطلب على خام الأوبك بالازدياد.

عملية المفاوضات وخلافاً لكل التصريحات، لم تقتصر على الملف النووي الإيراني بل طالت أيضاً الملف اللبناني وفق ما يكشف عجاقة لـ«الديار»، حيث أن البعد الإستراتيجي الإيراني في لبنان والمُتمثل بـ«حزب الله»، كان في محور المفاوضات وهذا ما تُثبته زيارة نائب وزير الخارجية الاميركية لشؤون الطاقة آموس هوشتاين إلى لبنان والتي بحث فيها مع المسؤولين اللبنانيين ملف المنطقة الإقتصادية الخالصة والحدود المُتنازع عليها مع إسرائيل. فبعد مرور خمسة أعوام على إقرار قانون النفط البحري وتعيين هيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، لم تشهد هذه الفترة أي تطور في مجال النفط في لبنان فلماذا الأن هذه الزيارة المفاجئة في عز المفاوضات الأيرانية -الغربية؟؟؟ سؤال يطرح .

وبحسب عجاقة من المحتمل أن يكون ملف النفط اللبناني قد تمّ ربطه بملف المفاوضات على البرنامج النووي الإيراني وفق السيناريوهات الثلاثة الآتية:

  1. الطلب من لبنان أن يشرع في التنقيب عن النفط وذلك بغض النظر عن الواقع الخلافي مع إسرائيل على أن يتمّ حل الخلاف لاحقاً. وهذا السيناريو هو نوع من التطبيع للواقع الحالي أي 500 كلم2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة المقضومة من حصة لبنان لمصلحة تل أبيب.

  2. القبول بإعطاء لبنان المساحة المقضومة من إسرائيل على أن يعمد «حزب الله» إلى الإمتناع بشكل قاطع عن مهاجمة إسرائيل.

  3. القبول بإعطاء لبنان المساحة المقضومة من قبل إسرائيل على أساس إتفاق مبدئي ركائزه معاهدة سلام بين بيروت وتل أبيب تبدأ بقبول إعطاء لبنان المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تحتلها إسرائيل مقابل تنازل لبنان عن مياه الوزاني. وبالطبع، السيناريو الأخير يظل بعيد المنال في ظل المعارضة القوية التي يظهرها الرأي العام اللبناني غير الحاضر لهكذا سيناريو.

رابط الديار