Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

النفط الصخري يُقاوم الأسعار المُنخفضة

 منذ الاتفاق على النووي الإيراني وأسعار النفط في إنخفاض مستمرّ على الرغم من عدم رفع العقوبات عن إيران. وتُظهر التحاليل أن هذا الإنخفاض لا يعود فقط إلى تداعيات الإتفاق النووي بل تطاول عوامل أخرى منها إستمرار الإنتاج للنفط الصخري، مخاوف على الاقتصاد الصيني، ورغبة الكونغرس الأميركي في بيع قسم من مخزونه الإحتياطي.    في تمّوز العام 2008، تخطّى سعر برميل النفط الـ 143 دولارا أميركيا محققاً بذلك مستوى تاريخيا. هذا الإرتفاع أتى كنتيجة لعدة عوامل على رأسها الطلب الكبير على النفط كنتيجة للنمو الاقتصادي، قلّة العرض في الأسواق كنتيجة لسياسة الأوبك، والمضاربة في الأسواق المالية كنتيجة للعوامل الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط في ذلك الوقت.لكن الأزمة المالية التي عصفت بالنظام المالي العالمي والتي كانت نتيجة أزمة الـ Subprimes، دفعت بالأسعار إلى الإنخفاض إلى 30 دولاراً للبرميل الواحد مُحققة بذلك أكبر قيمة إنخفاض في وقت قياسي (110 دولارات أميركية في أقل من ستة أشهر). ثم أخذت الأسعار بالإرتفاع تدريجياً لتتأرجح بين 80 و110 دولارات أميركية للبرميل وذلك خلال الأعوام 2011 حتى نصف العام 2014. وسجلّ تمّوز 2014 نقطة تحول تاريخية في الأسعار حيث إنخفضت هذه الأسعار أكثر من النصف (من 100 إلى حدود الـ 45 دولارا أميركيا) وذلك كنتيجة لعاملين أساسيين: الأول إقتصادي ويتعلق بالركود الاقتصادي في الإقتصادات الغربية ما يعني قلّة الطلب، والثاني جيوسياسي ويتعلق بمحافظة المملكة العربية السعودية على مستوى عالٍ من الإنتاج أدّى إلى زيادة العرض في سوق يعتريه الركود.     عوامل تُحدّد أسعار النفط…في أساسيات علم الاقتصاد، تتأثر أسعار النفط بثلاثة عوامل: العرض والطلب، التضخم، والمضاربة في الأسواق المالية.فعامل العرض والطلب يُعتبر العامل الأول الذي يؤثر في أسعار النفط في ظل إقتصاد فيه تنافس. وهذا العامل يتأثر بحد ذاته بالدورة الاقتصادية (الطلب)، القدرة الإنتاجية (العرض) التي بدورها تتأثر بالتكنولوجيا التي تُستخدم في الإنتاج، الإستثمارات التي تزيد من قدرة الإنتاج، والعوامل الجيوسياسية التي قد تؤدي إلى تخفيف العرض في بعض الأحيان.أما التضخم في الولايات المُتحدة الأميركية، فله دور أساسي أيضاً في تحديد سعر النفط من ناحية أن تسعير برميل النفط يتم بالدولار الأميركي. ما يعني أن التضخم سيؤدي إلى خفض الدولار وبالتالي ستعمد الدول المُنتجة للنفط إلى رفع الأسعار بهدف الحفاظ على مردودها المالي.والعامل الثالث أي المضاربة في الأسواق المالية، فله تأثير آني في الأسعار من ناحية إرتباط سوق النفط (Spot Market) بسوق العقود الآجلة على النفط (Futures/Forward Markets). وعادة تتأجج المُضاربة في الأسواق المالية نتيجة عوامل جيوسياسية وجيوإستراتيجية تخص بالدرجة الأولى منطقة الشرق الأوسط. لماذا ينخفض سعر النفط اليوم؟يبقى مستوى الإنتاج السعودي من النفط العامل الأول في الأسعار المُنخفضة لبرميل النفط. ويظهر من التحليل أن المملكة العربية السعودية حققت إنجازاً سياسياً كبيراً ضد إيران في خفض أسعار البترول من ناحية أن العجز المُسجّل في الموازنة الإيرانية هو نتيجة وضع موازنة بـ 120 دولارا أميركيا للبرميل الواحد. وهذا الأمر أدّى بحسب الكثير من المحلّلين إلى قبول إيران بتوقيع الاتفاق النووي. لكن طموحات المملكة العربية السعودية لم تقف هنا بل ذهبت أبعد من ذلك وتهدف إلى ضرب منتجي النفط الصخري الذين بدؤوا بتشكيل خطر على الإنتاج السعودي. وللتذكير فإن الولايات المُتحدة الأميركية بدأت، بفضل النفط والغاز الصخري تذهب نحو الإكتفاء الذاتي وبالتالي التخفيف من التعلق بالنفط الخليجي. ومحافظة المملكة العربية السعودية على أسعار نفط منخفضة كفيل (حسب السعودية) بتقليل الإنتاج من النفط الصخري الذي يتميز بكلفة عالية (70 دولارا أميركيا مقارنة بـ 10 دولارات كلفة إستخراج النفط السعودي).من جهة أخرى، إن الاتفاق على النووي الإيراني دفع المُستثمرين إلى الأخذ في الإعتبار قدرة إيران على إنتاج النفط في حال تمّ رفع العقوبات وتمّ إجراء إستثمارات في هذا القطاع. وهذا سيؤدي حتماً إلى زيادة العرض في السوق ما يعني إنخفاض الأسعار. لذا يعمد المُستثمرون في أسواق العقود الآجلة إلى بيع عقود بأسعار اليوم كي يتمّ الإستفادة منها في المُستقبل عندما تنخفض الأسعار. عوامل مُستجدّة…لكن العوامل المُستجدة والتي دفعت بالأسعار إلى الإنخفاض في الآونة الأخيرة هي:أولاً: وصول المخزونات التجارية إلى حدها الأقصى مع استمرار انتاج النفط الصخري في أميركا الشمالية والذي راهنت المملكة العربية السعودية على إنهياره مع استمرار العرض الكبير. لكن شركات النفط الصخري تمكنت في الآونة الأخيرة من تطوير سبل استكشاف وإنتاج تقلل التكاليف بنحو 40%. وبهذا إرتفع مخزون الخام التجاري في الولايات المتحدة إلى أقصى حد حيث زادت مخزونات النفط الخام الأميركي بقيمة 2.6 مليون برميل في الأسبوع المُنصرم لتصل إلى 456 مليون برميل.   ثانياً: إن نجاح تطوير التقنيات المُستخدمة في إستخراج النفط الصخري، شجّع دولا كبريطانيا إلى تسريع إجراءات السماح بإستكشاف وإنتاح الغاز الصخري. وهذا الأمر سيزيد بدون أدّنى شك العرض في السوق ما يعني المُراهنة على إنخفاض الأسعار من قبل المُستثمرين.ثالثاً: رغبة بعض أعضاء الكونغرس الأميركي ببيع قسم من الإحتياط الإستراتيجي (101 مليون برميل) بهدف جمع 9 مليارات دولار أميركي لتمويل الصندوق الإئتماني للطريق السريع (Highway). وهذا الإقتراح نابع من زيادة المخزون الإستراتيجي الذي يُعتبر عاملا مهما في تحديد أسعار النفط في الأسواق العالمية نظراً لضخامته.رابعاً: المخاوف من تراجع الطلب العالمي مع التوقعات بتراجع نمو الإقتصاد الصيني ثاني أكبر إقتصاد في العالم والذي يُعدّ من أكبر المستهلكين للنفط. لذا ومما تقدم فإن معطيات اليوم تختلف شكلاً ومضموناً عن هبوط أسعار النفط في العام 2008. وبالتالي، فإن إستمرار أسعار النفط على هذا المُستوى (40 د.أ) سيبقى صعب المنال للدول المُنتجة خصوصاً مع العجز المُسجّل في موازنات هذه الدول. من هذا المُنطلق، ستشهد الأسواق العالمية حركة أسعار تصحيحية تُعيد سعر برميل النفط إلى ما بين 70 إلى 80 دولارا أميركيا للبرميل الواحد. http://www.albaladonline.com/ar/NewsDetails.aspx?pageid=330373