Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

المعادلة الاقتصادية: عجز ودين عام فهجرة!

 خمسة أعوام مرّت والدين العام اللبناني يتزايد بشكل غير طبيعي حيث وصل إلى عتبة الـ 70 مليار دولار أميركي أي 17 ألف دولار لكل مولود جديد. وإذا ما إستمرّ الوضع على ما هو عليه، فسنشهد في السنين القادمة كارثة على الطريقة اليونانية. ومرحبا بالهجرة!    لبنان بلد المُعجزات، فالنظرية الاقتصادية لا تستطيع حتى الساعة تفسير كيف أن هذا الاقتصاد الذي يفتقر إلى الإستثمارات، ما زال يُسجّل نمواً. ولا كيف أن القطاع المصرفي الذي رُفعت سريته، لا يزال يستقطب رؤوس الأموال في حين أن البلد يتخبط في أزمة سياسية وأمنية. بلد مقسوم إجتماعياً إلى ثلاث طبقات: الأولى فقيرة وتُحارب من أجل خبزها اليومي (عددها كبير)؛ الثانية متوسطة (عددها قليل)، والثالثة فاحشة الثراء. وقد يقول البعض: إن هذا طبيعي في نظام إقتصادي حرّ وحيث لرأس المال الكلمة الفاصلة، إلا أن ما يتجاهله هذا البعض أن الأنظمة الديمقراطية وُجدت لتُخدم مصلحة الأكثرية. ويكفي النظر إلى الولايات المُتحدة الأميركية لمعرفة أن هذا البلد الرأسمالي خضع لطلب الأكثرية وأقرّ نظاما صحيا إجتماعيا يطاول الطبقة الفقيرة. فكيف لدولة رأسمالية أن تُقر هكذا قانونا لو لم يكن تطبيق الديمقراطية فعّالا. وفي لبنان، البلد الذي إستورد دستوره وثقافته من بلد أوروبي إشتراكي بفكره، لا توجد فيه أنظمة صحية فعّالة والطبقة الفقيرة منسية إلا في زمن الانتخابات. الوضع الاقتصادي في لبنان تعيس وهذا ما تُثبته الأرقام. فالدين العام اللبناني يزداد يومياً بحكم العجز في الموازنة أو بالأحرى يجب القول بحكم العجز الناتج عن غياب الموازنة. هذا العجز ناتج بالدرجة الأولى عن خدمة الدين العام التي أضحت تُشكل 10% من الناتج المحلّي الإجمالي وما يُقارب الـ 45% من الإيرادات. والمعروف حتى على الصعيد الفردي أن المصارف لا تُقرض إذا ما تخطّت الدفعة الشهرية أكثر من ثلث الأجر الشهري، فكيف بالأحرى لدولة تُنفق على دينها العام نصف مدخولها؟مالياً، تخطى الدين العام اللبناني عتبة الـ 70 مليار دولار أميركي لناتج محلي إجمالي 45.7 مليار دولار أي أن نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي تبلغ 146% وهي نسبة عالية جداً تُنذر بالخطر حسب التصنيفات الدولية التي تُصنّف الدول إلى أربع فئات: الفئة الأولى وهي التي تتمتع بمديونية عامة أقل من 30% من الناتج المحّلي الإجمالي، والفئة الثانية هي التي تتراوح مديونتها بين 30 و60% من الناتج المحلّي الإجمالي، الفئة الثالثة مع مديونية بين 60 و90% والفئة الرابعة مع مديونية أكبر من 90%.وحسب دراسة قام بها رينهارتوروجوف (من صندوق النقد الدولي)، يبلغ مُعدل النمو الحقيقي للدول المتطورة3.7% للفئة الأولى، 3% للفئة الثانية، 3.4% للفئة الثالثة و1.7% للفئة الرابعة. أما الدول غيرالمتطورة، فمعدل النمو هو على النحو الآتي: 4.3% للفئة الأولى، 4.1% للفئة الثانية، 4.2% للفئة الثالثة و1 % للفئة الرابعة. ولبنان الذي ينتمي حكماً للفئة الرابعة مع مديونية تبلغ 146%، يتمتع بنمو يتراوح بين الـ 1 إلى 1.5% ما يجعله ضمن الهامش الذي حددته الدراسة. من هنا نستنتج أنه من المُستحيل على الاقتصاد اللبناني في وضعه الحالي تسجيل نمو أكثر من 1.5% خصوصاً مع الأوضاع السياسية، والأمنية والإقتصادية التي يتخبط فيها لبنان.لكن المُشكلة الأساسية التي ستمنع الاقتصاد اللبناني من تحقيق مستويات نمو تفوق الـ 1.5%، تكمن في هيكلية مساهمة القطاعات الاقتصادية في هذا النمو، فتحويلات المغتربين اللبنانيين تُشكل ما يُقارب 20% من الناتج المحلي الإجمالي، القطاع الصناعي 19%، القطاع التجاري بنسبة 16%، القطاع الزراعي 5% والباقي يعود إلى الخدمات على أنواعها. وهذا يعني أن الاقتصاد اللبناني الذي يتغنى المسؤولون أنه ما زال صامداً، في الواقع يصمد بفضل تحويلات المُغتربين وهذا ما أعطاه صفة الاقتصاد الريعي بإمتياز. وبالنظر إلى تطور العلاقة بين النمو ونسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي منذ العام 2004 وحتى العام 2014، نرى أن مستوى الدين العام تخطى الـ 190% في العام 2006 مع نمو صفر بالمئة، وبعدها إزداد النمو بفضل القطاع العقاري ليقارب الـ 9% في العام 2008. وفي هذه السنة – أي 2008، قامت الحكومة ببدعة تعديل حسابية أدّت إلى تخفيض مستوى المديونية (حسابياً فقط) من 190% إلى 145% لتنخفض هذه النسبة في السنين التالية بفعل النمو الاقتصادي إلى 135%. لكن الأزمة السورية والإنفاق غير المسؤول للحكومات المُتعاقبة أدّيا إلى زيادة المديونية مع نمو إنخفض إلى الـ 1%. وهذه الزيادة الأخيرة في مستوى المديونية تعود حصرياً إلى زيادة العجز في المالية العامة حيث أن ضعف النمو يجعله غير قابل على إمتصاص العجز وبالتالي يتحوّل هذا الأخير تلقائياً إلى دين عام! وهذا العجز يمنع وسيمنع الحكومة من القيام بأي خطوة لتحفيز النمو الاقتصادي.    والأصعب في الأمر أن الغموض في الأفق وبخاصة من ناحية فصل السياسة عن الاقتصاد ووضع خطة إقتصادية، يجعل التوقعات سلبية وتنص على أن لبنان سيُسجّل نمواً بين 1.3 و1.7% في العام 2015 مع مديونية بنسبة 150%، لينخفض هذا النمو إلى 1 إلى 1.5% في العام 2016 مع ارتفاع المديونية إلى 155%. هذا يعني أن المزيد من الشباب اللبناني سيُهاجر إلى الخارج في ظل غياب فرص العمل في لبنان وستكون هجرة إنتقائية تطاول نوعين: الشباب المُتخرج حديثاً من الجامعات، والشباب اللبناني مع مستوى علمي أقل من بكالوريا وغير مُنخرط في أحزاب. ووفقاً للحسابات التي قمنا بها ستكون موجة الهجرة بمعدل 40 إلى 60 ألف شاب سنوياً على مرّ الثلاثة أعوام القادمة.وفي الختام لا يُمكننا القول إلا أن الفساد الذي يطاول المُجتمع اللبناني، يبقى الآفة الأولى والتي إذا ما تمّت محاربتها كفيلة بتخفيف العجز وبالتالي زيادة الإستثمارات ومعها النمو الاقتصادي. http://www.albaladonline.com/ar/NewsDetails.aspx?pageid=332639