Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عجاقة لـ”الإقتصاد”: الحراك الشعبي سيدعم الإقتصاد إذا ركز على نقطتين أساسيتين “تداول السلطة” و “محاربة الفساد”

غالب الجوهري

تعرض الاقتصاد في الاسبوع الاول من شهر أيلول الحالي لمزيد من الضغوط ، وهذه المرة جاءت بتأثير مباشر من الحراك الشعبي وكذلك من العاصفة الرملية الاستوائية التي ضربت كل مناطق لبنان، وعليه استمرت محركات الاقتصاد الرئيسية في تسجيل المزيد من الضعف لاسيما قطاعات السياحة والعقار.   والبارز في الأسبوع الماضي، هو التحذير الذي أطلقته وكالة التصنيف الدولية “موديز” بخصوص القطاع المصرفي اللبناني، اذ اعتبرت في تقرير لها أن الجمود السياسي والاحتجاجات الشعبية قد تؤدي الى زعزعة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، ما يؤثر سلباً على حركة تدفق الودائع، ويخنق السياحة والنمو الاقتصادي. وتخوّفت “موديز” من تخفيض جديد لتصنيف لبنان الائتماني، نتيجة حال الجمود السياسي الذي يمكن النظر اليه كمؤشر ائتماني سلبي يحبط الاصلاحات المالية الرئيسية. وحذّرت الوكالة من اتساع العجز المالي الذي بلغ 8.3% من الناتج المحلي مقارنةً مع 6.2% في العام 2014. فما هي تأثيرات الحراك الشعبي المستمر على الإقتصاد الوطني؟ وهل من إيجابيات؟ كيف يمكن قراءة تحذيرات “موديز” من الناحية الإقتصادية؟ وماذا عن رزمة التحفيز المنتاظرة من مصرف لبنان؟ … أسئلة كثيرة أجاب عنها الخبير الإقتصادي والإستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة في هذه المقابلة مع “الإقتصاد”.  – ما هي برأيك تأثيرات التحركات الشعبية التي شهدها ويشهدها لبنان حاليا على الإقتصاد الوطني ؟ وهل من إيجابيات؟ بداية إذا أردنا التحدث فقط عن التكاليف أو الخسائر التي نجمت عن أعمال الشغب التي حصلت خلال الحراك الشعبي وأدت الى تحطيم بعض واجهات المحال التجارية وإشرارت المرور وغيرها من الأمور فهي لا تتجاوز الـ 400 ألف دولار أميركي، أضف إليها الخسائر الناجمة عن إقفال بعض المحال التجارية في وسط بيروت، بحيث يصل الرقم في أقصى الحدود الى مليون دولار أميركي… وهذا الرقم لا يمكن الحديث عنه بالنسبة لدولة، فهو صغير نسبيا. ولكن إذا أردنا التحدث على المدى البعيد، فإن هذا الحراك بشكله الحالي وبمطالبه الحالية يؤدي الى تأثيرات سلبية… فروح أي إقتصاد في العالم هو “الثقة”، وهذه الثقة تتأثر بستة عوامل أساسية هي: غياب الإستقرار الأمني، غياب الإستقرار السياسي، عدم تداول السلطة، غياب سياسات إقتصادية واضحة، غياب قوانين متطورة تواكب العصر، وتفشي الفساد. ولبنان يعاني من كل هذه العوامل، وبالتالي فإن الإقتصاد متضرر بالأساس. ومن ناحية أخرى فإن الإقتصاد يعتمد على عنصرين أساسيين هما “الإستهلاك” والإستثمار”، بالنسبة للإستهلاك يموله المغتربون من خلال التحويلات، ولكن الإستثمارات غير موجودة، وهذا ما أضعف المكنة الإقتصادية، وحولت إقتصادنا الى إقتصاد ريعي. من هنا يمكننا الإنطلاق لتحليل تأثيرات هذا الحراك، فالفساد اليوم في لبنان يكلف الإقتصاد سنويا خسائر بقيمة 10 مليار دولار – ما بين خسائر مباشرة من خلال الضرائب التي تخسرها الدولة، وخسائر غير مباشرة من خلال الفرص الضائعة – وهذا يعني أن الحل هو محاربة هذا الفساد ومحاسبة الفاسدين. وإذا كان الحراك الشعبي هدفه القضاء على الفساد، فهذا سيؤدي الى تأثيرات إيجابية بالطبع، حتى ولو كانت الخسائر اليومية التي يسببها هذا الحراك تصل الى مليون دولار أميركي، لأن النتيجة ستكون توفير هدر وخسائر بقيمة 10 مليار دولار سنويا. ولكن كنا نرى اليوم فإن المطالب المطروحة من قبل هذا الحراك متشعبة جدا، وهناك إتجاه لإسقاط النظام والحكومة وغيرها من الشعارات… وهذا لا يخدم الإقتصاد، فالمطالب التي يجب التركيز عليها والتي يمكن أن تؤدي الى إنعاش الإقتصاد وبالتالي تحسين حياة المواطن اللبناني هي الدعوة الى تداول السلطة من خلال إنتخابات نيابية بحسب المواعيد الدستورية، ومحاربة الفساد والفاسدين الذين يكلفون الإقتصاد حوالي 10 مليار دولار سنويا. بإختصار إذا تمحورت مطالب الحراك الشعبي حول محاربة الفساد وتداول السلطة، فإن الإيجابيات ستكون كثيرة جدا على المدى البعيد بغض النظر عن الخسائر اليومية التي سنتكبدها ويكون هذا الحراك من أرقى الثورات التي حصلت في العالم، اما إذا إستكمل التحرك بهدف إسقاط النظام فهذا لن يؤدي الى تحسين الوضع الإقتصادي بل العكس.  – حذرت وكالة “موديز” في تقرير من الجمود السياسي والاحتجاجات الشعبية التي قد تؤدي الى زعزعة الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني.. كما تخوّفت من تخفيض جديد لتصنيف لبنان الائتماني… كيف تقرأ هذه التحذيرات؟

لا أوافق “موديز” على تحاليلها أبدا… فلا شك بأن الجمود السياسي مضر للإقتصاد وله تأثير سلبي، ولكن لا تأثيرات سلبية للحراك الشعبي حاليا بل على العكس، فهذا الحراك يمكن أن يوجه موجات إيجابية للمستثمرين. فالإستثمارات غائبة عن البلد لسببين، الأول هو الإصطفاف السياسي الذي يمنع الخليجيين من الإستثمار في لبنان، والثاني هو الفساد المستشري الذي يؤدي الى خوف وهروب المستثمرين الأجانب .

 لذلك الحراك يمكن أن يرسل موجات إيجابية خصوصا إذا تمت ترجمته الى إنتخابات نيابية والى تداول للسلطة.ولا شك بأن “موديز” على علم بأن الودائع في القطاع المصرفي مازالت في إزدياد حتى خلال الشهر الماضي الذي إنطلق خلاله الحراك الشعبي.. لذلك لا يمكن لهذا الحراك ان يؤدي الى تراجع القطاع المصرفي.

وبرأيي التأثير على القطاع المصرفي يمكن أن يأتي من جهة أخرى، حيث أن عجز الدولة إزادا بشكل كبير جدا، والدين العالم الى إرتفاع هائل، وكما نعلم هناك تحضير لإصدار سندات جديد بقيمة 2 مليار دولار، وهذا يعني أن المصارف مستمرة في تمويل إحتياجات الدولة، وهذا ما قد يؤدي الى مخاطر على هذا القطاع.

إلا أنه لا خيار اليوم أما القطاع المصرفي سوى الإستمرار في تمويل الدولة خصوصا أن 80% من دين الدولة هو للمصارف التجارية ولمصرف لبنان.

وبالنسبة لتخفيض التصنيف الإئتماني للبنان فإنه لن يؤثر، خصوصا أن الدولة اللبنانية لا تطرح سنداتها في السوق العالمية، بل تطرحها في السوق المحلية، وهنا يجب الإشارة إلى أنه لو كانت الدولة اللبنانية تطرح سنداتها في السوق العالمية لحصل في لبنان أزمة شبيهة بالأزمة اليونانية.  – أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عن نية المركزي إطلاق رزمة تحفيزية جديدة بقيمة مليار دولار في العام المقبل، وذلك بهدف تعزيز النشاط الإقتصادي في البلاد .. ما هي ايجابيات هذه الخطوة؟ وهل من الممكن الإعتماد فقط على هذه السياسة لتحفيز الإقتصاد؟ لا شك أن هذه الخطوة إيجابية جدا، وندعم مصرف لبنان فيها، ولكن المواطن الذي يريد الإستفادة من هذه الرزمة سيذهب الى المصارف التجارية ليأخذها على شكل قروض، والشروط التي تضعها المصارف اليوم تعجيزية إذا صح التعبير، وبالتالي فإن المواطن لن يستطيع الحصول على المال بسهولة.

أضف الى ذلك فإن المصارف التجارية تمتلك السيولة الكافية للإقراض، وهي ليست بحاجة الى رزم مالية من مصرف لبنان، وهذا يجعل خطوة مصر ف لبنان ناقصة على الرغم من أهميتها.

المصدر: النشرة الإقتصادية