تحتل باريس الموقع الثالث عالمياً في عدد السياح بعد لندن وبانكوك. ويُعتبر موسم أعياد الميلاد ورأس السنة من أكثر المواسم التي يأتي فيها السياح لزيارة العاصمة الفرنسية. والتحليل يُظهر أنه على مسافة 30 يوماً من هذا الموسم، تأتي الأعمال الإرهابية لتُهدد الموسم السياحي وبالتالي ستكون ضربة للإقتصاد الفرنسي. تُعتبر السياحة عنصر أساسي في الإقتصادات العالمية نظراً للأموال النقدية التي تجلبها للبلد المُضيف. هذه الأموال لا تحتاج إلى وقت بين عملية الإستهلاك وعملية القبض وبالتالي فإنها تُنعش البلد وإقتصاده بأموال نقدية تسمح له بمواجهة أي طارئ إقتصادي أو مالي. وتحتل باريس مرتبة مرموقة عالمياً من ناحية تبؤها المرتبة الثالثة بعد لندن وبانكوك كأكثر مدينة تستقطب السياح مع أكثر من 16 مليون سائح سنوياً (مُتوقع في العام 2015). وبحسب المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس، تحتل فرنسا المرتبة الثانية عالمياً من ناحية التنافسية السياحية وهذه المرتبة تمّ تسجيلها حديثاً بعد ما كانت فرنسا في المرتبة السابعة. واللافت في التصنيفات العالمية، إحتلال باريس المرتبة الأولى في تنوع السواح حيث ينتمون إلى 33 دولة. وتتمع العاصمة الفرنسية ببنية تحتية سياحية متطورة وعالية الجودة في العالم أجمع (في المرتبة الرابعة عالمياً) مع وسائل نقل ومطاعم وفنادق تُغطّي باريس كلها. والأهم هو تنوّع المطاعم في باريس حيث يستطيع السائح تذوق كل أنواع الأكل الموجودة في العالم. ويُصنّف المؤتمر الاقتصادي العالمي في دافوس فرنسا في المرتبة الثانية من ناحية العرض الثقافي، حيث أن متحف اللوفر يبقى الأكثر زيارة من قبل السواح مع 9.8 مليون زائر في العام 2014.وتتراجع فرنسا في الخدمات الإلكترونية للسياح إلى المرتبة 22 عالمياً و62 في ما يخص أمن السواح. وهذه النقطة بالتحديد ستأخذ الكثير من الإهتمام مع الهجمات الإرهابية الأخيرة. الإقتصاد الفرنسي يعيش أزمة…تحتل فرنسا المرتبة الخامسة عالمياً من ناحية حجم الاقتصاد مع ناتج محلّي بلغ 2,833,687 مليون دولار أميركي في العام 2014 يسبقها في ذلك كل من الولايات المُتحدة الأميركية (17,348,075)، الصين (10,356,508)، اليابان (4,602,367)، ألمانيا (3,874,437)، وبريطانيا (2,950,039). وهذا الأمر سمح لفرنسا بإحتلال المرتبة الـ 26 على لائحة أعلى ناتج محلي إجمالي فردي مع 40,538 دولار أميركي (عالمي) للفرد.ويعتمد الإقتصاد الفرنسي على الخدمات بنسبة 79% (2013) وهذا ما يجعله أقل أداءً من الاقتصاد الألماني ولكن يسمح له في نفس الوقت في تخفيف وطأة الركود الاقتصادي. وتراجعت حصة القطاع الصناعي إلى 18.7% منذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية وذلك كنتيجة لتراجع التنافسية في الإقتصاد والناتجة عن السياسة الاجتماعية المُكلفة التي إعتمدتها الحكومات الفرنسية المُتعاقبة والتي أدّت إلى هجرة (delocalization) العديد من الصناعات الفرنسية إلى دول أوروبا الشرقية، أميركا اللاتنية وأخيراً الصين. وكان لدخول فرنسا إلى الإتحاد الأوروبي، تأثير إيجابي كبير على الوضع الاقتصادي حيث أن التبادل البيني بين دول منطقة اليورو سمح لهذه الإقتصادات بالإندماج أفقياً في الاقتصاد العالمي وأعفى الدول من مواجهة الأزمات مُنفردة. وكان للأزمة المالية العالمية في العام 2008، تأثيراً كبيراً على الإقتصاد الفرنسي وتراجع بنسبة 3% في العام 2009، وشهدت عدة بنوك أزمات مالية حادة دفعت بالحكومة الفرنسية إلى شراء عدد من هذه المصارف ومساعدة البعض الأخر (Dexia). وهذا الأمر دفع إلى تسجيل عجز كبير في الموازنات الفرنسية منذ الأزمة مما أدّى بدوره إلى زيادة الدين العام بشكل مخيف إستحقت مع فرنسا تخفيض في تصنيفها الإئتماني (95% من الناتج المحلّي الإجمالي – 2014). وإستمر الدين العام بالإرتفاع، وقامت المفوضية الأوروبية في العام الماضي بتوجيه تنبيه الى فرنسا داعية إلى لجم العجز عبر لجم الإنفاق الجاري وإصلاحات إقتصادية خصوصاً قطاع التقاعّد. وحالياً يتأرجح نمو الاقتصاد الفرنسي حول 0.3% كنتيجة للركود العالمي وبالتالي يبقى الوضع رهينة نمو الاقتصاد العالمي والإصلاحات الاقتصادية والإجتماعية المطلوب من فرنسا القيام بها. القطاع السياحي في فرنسا…يُشكّل القطاع السياحي في فرنسا نشاط إقتصادي مهم ومربح من ناحية أن عدد السياح يناهز الـ 85 مليون سائح سنوياً (المنظمة العالمية للسياحة). هذا الأمر له تدعيات إيجابية هائلة على الاقتصاد الفرنسي من ناحية الأموال التي تُصّرف في فرنسا من قبل السياح (66 مليار يورو في العام 2013)، أو من ناحية عدد الموظفين في هذا القطاع (700 الف موظف في العام 2012)، أو من ناحية القطاعات التي يتمّ تشغيلها وعلى رأسها قطاع النقل، النفايات، الطاقة… وتحتل فرنسا على هذا الصعيد المرتبة الثالثة من ناحية إجمالي إنفاق السياح الأجانب خلف إسبانيا والولايات المُتحدة الأميركية. من هذا المُنطلق، نرى أن الهجمات الإرهابية الأخيرة ستدفع العديد من السياح في العالم إلى إلغاء عطلهم السنوية إلى فرنسا مع التهديدات المُستمرّة لداعش للدولة الفرنسية. كما أن ضيق الوقت الذي يفصلنا عن أعياد الميلاد ورأس السنة والتي تُعدّ الفترة الأكثر جذباً للسياح، لن يسمح للسلطات الفرنسية بإتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أمن السياح ودفعهم إلى نسيان الهجمات البربرية التي طالت العاصمة باريس في نهاية الأسبوع الماضي.وهذا الواقع الآليم سيؤدي إلى تراجع السياحة بما لا يقلّ عن 10% وذلك بسبب مخاوف وحذر السياح البريطانيين (18.1% من المداخيل مع 15 مليون سائح بريطاني) والأميركيين (3.8 مليون سائح أميركي… ) والذين يُشكلون نسبة كبيرة من السياح في فرنسا. أي أن الخسارة على فرنسا ستكون بالحدّ الأدنى 3 مليار دولار تمتد على بقية هذا العام وأوائل العام المُقبل. لذا يبقى القول أن الإجراءات الأساسية للدولة الفرنسية التي من الواجب تنفيذها، تتمحور حول نقطتين: الأولى تشديد الإجراءات الأمنية في فرنسا بشكل مُلفت، والثانية العمل على قطع تمويل المنظمات الإرهابية العاملة في فرنسا.