Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

التوقعات الإقتصادية للعام 2016

 

لا يُخفى على أحد أن العام 2015 كان العام الأسوء للإقتصاد اللبناني على صعيد تآكل الماكينة الإنتاجية. وإذا كان البنك الدولي قد توقع نسبة نمو 2% للعام 2015، إلا أن النمو الفعلي لن يتجاوز الـ 0.3% في أحسن أحواله.

ظن المحللون الإقتصاديون أن العام الأسوء إقتصادياً على لبنان هو 2013 خصوصاً أن العام 2014 الذي بدأ دموياً مع إغتيال الوزير محمد شطح، شهد تأليف حكومة الرئيس تمّام سلام وإستطاع إمتصاص العديد من الأزمات الأمنية التي عصفت بلبنان. لكن ما لبث العام 2015 أن أظهر الكابوس الذي شهده الاقتصاد اللبناني والذي يُعتبر الأسوء منذ الحرب الاهلية مع الشلل السياسي الذي أصاب جهاز الدولة الإداري من شغور الرئاسة الأولة وتعطيل الرئاستين الثانية والثالثة. وإذا كان التاريخ يُخبرنا أن إقفال مجلس النواب خلال عام ونيف لم يكن له تأثير كبير على الاقتصاد اللبناني، إلا أن الشلل الحكومي ضرب الاقتصاد في صميمه مع غياب السلطة التشغيلية والتي تُعني بالأمور الحياتية للمواطن اللبناني على كافة الأصعدة.

نعم إنه شلل هائل دكّ هياكل الاقتصاد اللبناني وضرب الماكينة الإنتاجية على جميع الأصعدة. حتى أن الإستهلاك الذي إعتقدنا ولعقود أنه صامد، تراجع ليزيد معانات القطاع الصناعي والزراعي والخدماتي. كما أن الإستثمارات التي كانت قد تراجعت بنسبة كبيرة في العام 2013، شهدت حركة تصحيحية في العام 2014 لكن الإتجاه هو أكثر نحو التراجع في العام 2015 والـ 2016.

ما لا شك فيه أن الأرقام الرسمية المُتوافرة تبقى ضعيفة لوصف الماكينة الاقتصادية اللبنانية بدقّة. لكن شبكها بعضها ببعض، يُعطي صورة واضحة عن واقع الاقتصاد وإتجاهه. وهذه الأرقام تُشير إلى تراجع في كل القطاعات بدون إستثناء وعلى صعيد الإستهلاك والإستثمار.

المالية العامة

شهدت الإيرادات في لبنان تراجعاً ملحوظاً حيث بلغت حتى أيلول من هذا العام 7229 مليون دولار أميركي ومن المتوقع أن لا تزيد عن 9640 مليون د.أ في نهاية هذا العام لتُسجّل بذلك تراجعاً بنسبة 11.4% عن إيرادات العام 2014. وبفضل التقشف الذي قام به وزير المالية، إنخفض الإنفاق إلى 9837 مليون د.أ على الأشهر التسعة الأولى ليصل هذا الرقم إلى 13000 مليار في كانون الأول 2015 بنسبة تراجع قدرها 6%. وعدم الإنخفاض المتوازي بين الإيرادات والنفقات سيزيد للأسف العجز في الموازنة بنسبة 13.2% ليبلغ 3500 مليون دولار في نهاية هذا العام. أما على صعيد الدين العام فإن الإصدارات التي قامت بها وزارة المال والتي تفوق الـ 4 مليار دولار أميركي ستجعل الدين العام يقفز فوق عتبة الـ 70 مليار دولار أميركي في نهاية العام الحالي لتصبح بذلك نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي الإجمالي تفوق الـ 155%! وهذا الأمر مُرجّح إلى التدهور مع ميزان أولي لن يتخطى الـ 890 مليون د.أ في أحسن الأحوال. وأهمية هذا الميزان أنه يدلّ على التوازن المالي للدولة، إذ من الواجب أن يكون فائضاً بقيمة خدمة الدين العام أقله (والتي تبلغ 4 مليار د.أ) ليكون هناك توازن مالي. ومــع تردّي الأوضاع الاقتصادية في لبنان، قامت وكالة ستندارد أند بورز للتصنيف الإئتماني بتغيير النظرة المُستقبلية للديون السيادية للبنان من ثابت إلى سلبي ليصبح بذلك خطر تخفيض التصنيف الإئتماني للبنان إلى CCC أكثر إحتمالاً. وهذا الأمر إن حصل سيكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد من ناحية أن المصارف اللبنانية ستعمد إلى رفع الفوائد على القروض التسليفية. وهذا إن حصل، سيُشكّل ضربة للإقتصاد اللبناني الذي هو بأمسّ الحاجة إلى خفض الفوائد لدعم النشاط الاقتصادي.

 

 

 

القطاع الخارجي

فيما يخص القطاع الخارجي، تراجع التصدير بشكل ملحوظ منذ العام 2012 حيث من المتوقع أن يُسجّل 2976 مليون دولار أميركي في نهاية هذا العام مقارنة ب3312 مليون دولار أميركي في العام 2014. كما من المتوقع تراجع الواردت بقيمة 3 مليارات دولار في العام 2015 نسبة إلى 2014. وهذا الأمر خطير من ناحية دلالته على تراجع القدرة الشرائية لدى اللبناني على الرغم من إنخفاض أسعار اليورو وتراجع أسعار النفط العالمي وكليهما له أثار إيجابية في المبدأ على الإستهلاك المُستورد.

أما ميزان المدفوعات الذي يقيس العجز أو الفائض في العمليات الجارية (في الواقع هذا الميزان في توازن مُستمر)، فقد سجّل عجزاً قيمته 6% في الأشهر العشر الأولى من هذا العام ليُظهر بذلك أن إتجاه الأموال الناتجة عن التبادل التجاري هو من لبنان إلى الخارج.

 

القطاع المصرفي

يكاد القطاع المصرفي أن يُشكّل الإستثناء على القاعد من ناحية إستمراره على إستقطاب الودائع. وبغض النظر عن الأقاويل، يجب الإعتراف أن هذا الإستقطاب هو شهادة لهذا القطاع ولحسن إدارته.

لكن الشلل الحكومي وتعطيل مجلس النواب أثّرا على موجودات مصرف لبنان من العملات الأجنبية التي توازي الناتج المحّلي الإجمالي. ويبقى هذا التأثير طفيفاً ولا يُشكّل خطر على القطاع المصرفي أو الليرة اللبنانية، لكن الوضع قد يتغير قليلاً في حال تمّ تخفيض التصنيف الإئتماني للبنان وهذا سيؤثر بشكل تلقائي على كلفة المصارف الإقتراضية من الأسواق الخارجية. وهذا الأمر إن حصل سيدفعها إلى رفع فوائدها ما سيكون سلبياً على النشاط الاقتصادي.

 

القطاعات الاقتصادية الأخرى

على رأس هذه القطاعات القطاع العقاري الذي يعيش منذ أذار 2011 حالة من الركود الهائل وذلك بسبب تراجع الطلب مع تراجع الوضع الاقتصادي. وهذا الأمر سيستمرّ بإعتقادنا إلى حين إنحسار الغيمة السوداء عن سماء الاقتصاد اللبناني. أما السياحة فحدثّ ولا حرج، حيث شكل المغتربون اللبنانيون الأساس مما سُمّي بالسواح وحافظوا على نسب عالية. إلا أن الإنفاق لكل سائح تراجع بشكل كبير مع تراجع السواح الأجانب وخصوصاً العرب منهم لما لهؤلاء من نسبة عالية من الإنفاق السياحي. وعلى صعيد القطاعين الصناعي والزراعي، فقد تأثرا من إقفال الحدود البرية بشكل كبير كما ومن منافسة البضائع الأجنبية كالبطاطا المصرية وغيرها. وهذا الأمر فرض وضع عبّارات لنقل البضائع براً ما زاد الكلفة وبالتالي قلل من تنافسية البضائع اللبنانية. أما داخلياً، فقد أدى تراجع القدرة الشرائية للمواطن اللبناني إلى ضعف الإستهلاك الداخلي بنسبة 16% على الأشهر التسعة الأولى من السنة.

أما قطاع الخدمات، فقد كان الأكثر تأثراً خصوصاً المطاعم والفنادق التي أقفل العديد منها ومع إستمرار الوضع السياسي الحالي من المُتوقع أن نشهد المزيد من الإقفال خلال العام 2016. كل هذه العوامل لن تجعل النمو يتخطى الـ 0.3% هذا العام في أحسن الأحوال، وإذا ما إستمر الوضع على حاله، فإن العام 2016 سيُسجّل نسب نمو سلبية.

في النهاية لا يسعنا القول إلا أن إستمرار الشلل السياسي في لبنان يزيد من تدهور الوضع الاقتصادي خصوصاً الإستثمارات التي هي أكثر ما يحتاجه الاقتصاد اللبناني اليوم. وهذه الإستثمارات لن تعود إلى لبنان إلا بعد ضبط الوضع الأمني وثبات الوضع السياسي وإقرار المشاريع الإصلاحية كمشروع قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص. ويبقى الفساد العامل الذي يضر بشكل حاد بالإقتصاد اللبناني خصوصاً في قطاع الكهرباء، عصب الاقتصاد وفي قطاع النفايات وغيرها من القطاعات الأساسية التي تُشكّل البنية التحتية للإقتصاد اللبناني.

رابط النشرة الإقتصادية