على الرغم من التطور الذي حققته المصارف اللبنانية في مجال البطاقة المصرفية، ما زالت هذه الأخيرة بعيدة عن إحتلال الموقع الأول في المعاملات التجارية. ويعود السبب إلى كلفة إستخدام البطاقة كما والعروض التي تواكبها. فيما تبقى المصارف اللبنانية المُمول الأول للإستهلاك في لبنان وذلك عبر القروض الإستهلاكية التي توفرها لعملائها، بدأت بطاقات الإعتماد وبطاقات الدفع تأخذ حيزاً واسعاً في المعاملات التجارية. لكن اللبناني ما زال وعلى الرغم من التسهيلات التي تُقدمها المصارف وزيادة عدد الأماكن التجارية التي تتلقى الدفع بالبطاقة، يستخدم الدفع النقدي تتيجة عدة عوامل وعلى رأسها كلفة الدفع التي من المفروض أن يتحمّلها المتجر. هذه الكلفة تُشكل عائقاً كبيراً خصوصاً من ناحية الرسوم التي تصل إلى حد الـ 3%، ما يؤدي إلى تخلّي العديد من المحال عن تلقي الدفع بالبطاقة كما وعزوف العميل تالياً عن إستخدامها إذا ما طلب منه التاجر دفع جزء من هذه الرسوم. هذا الأمر يدفع إلى الإعتماد أكثر على النقد في التعاملات التجارية، ولا يسمح تالياً بتسجيل التعاملات التجارية بمزيد من الدقة حول نشاط القطاعات الاقتصادية. أضف إلى ذلك نوع البطاقة والتي وفي حال كانت من نوع بطاقة إعتمادية، قد تصل تكلفتها إلى أكثر من 30% في حال تأخر العميل في دفع المُستحقات قبل نهاية الشهر. ثمة وسائل أخرى بدأت تظهر كالدفع من خلال الهاتف الخليوي، والذي مع وجود البصمة على الهاتف قد تسمح بإنتشار هذا النوع من الدفع. هذا الأمر قد يُشكل في المُستقبل رافعة للإستهلاك المحلي مع القدرة على دفع مبالغ صغيرة في الأماكن العامة كالمطاعم والمارفق السياحية الأخرى ما يُشكل مُستقبلاً واعداً إذا ما إستطاعت المصارف اللبنانية التأقلم مع هذا الواقع.لكن يبقى السؤال عن قدرة اللبناني على الإستهلاك في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والتي تحدّ منه عموماً. ففي الأشهر التسعة الأولى من هذه السنة، إنخفض الإستهلاك في لبنان بنسبة 16% وفق جمعية تجار بيروت ما يعني أنه وبغض النظر عن وسيلة الدفع، المُشكلة تكمن في المدخول. أضف إلى ذلك نسبة مديونية اللبناني التي تُعتبر مرتفعة إجمالاً، كذلك قبول المصارف اللبنانية بالتعرض أكثر إلى القطاع الخاص. هذا التعرض قد يُشكل خطر كبير على هذه المصارف مع زيادة الدين العام وإرتفاع إحتمال حاجة الدولة إلى مداخيل لتغطية عجزها. لذا كيف للمصارف اللبنانية أن تحلّ هذه المعضلة؟ الجواب بالطبع هو من خلال ترشيد القروض إلى القطاع العام والخاص. وهذا يمر عبر الضغط على الدولة للجم عجزها لأن هذا الأخير يستهلك الأموال ويحرم القطاع الخاص من هذه القروض، فيقل تالياً الإستهلاك ومعه النشاط الاقتصادي. يتوجب أيضاً على المصارف اللبنانية أن تعمد إلى تخفيف تكاليف إستخدام البطاقات لأنها ستزيد بذلك من حجم العمليات، وسيعود ذلك بالفائدة عليها وعلى الاقتصاد اللبناني. كما ينبغي إرفاق هذه البطاقات وبشكل تلقائي بعدد من الخدمات التأمينية إسوة بنظيراتها الأوروبية التي بدأت تقديمها منذ تسعينات القرن الماضي. في الختام إن تشجيع النشاط الاقتصادي يمرّ عبر الإستهلاك والإستثمار. وإذا كانت المصارف اللبنانية عاجزة عن تقديم القروض الإستثمارية، يجب عليها تحفيز الإستهلاك عبر تسهيل الدفع وعدم رفع عمولاتها على العمليات التجارية إن من ناحية عمولات إستخدام البطاقة المصرفية أو من ناحية العمولات على سعر صرف العملات الأجنبية. وتبقى الدولة مسؤولة أيضاً حيال إعتماد تشريعات تُشجّع المُستهلك على إستخدام البطاقة المصرفية كالتحفيز على التخفيف من الدفع النقدي لعمليات تتخطى حاجز مالي معين. هذا الأمر يسمح بتقدير الإقتصاد اللبناني بدقة كبيرة، وهو الذي يحتاج إلى دراسم معمقة ومفصلة في هذه الفترة الحرجة لوضع السياسة الاقتصادية المؤاتية.