Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

لهذا السبب لن تنخفض الأسعار

لم ينفك سعر برميل النفط بالتراجع منذ منتصف العام 2014. وشكل هذا الإنخفاض ثاني أكبر إنخفاض تاريخي بعد إنخفاض العام 2008-2009. إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، لم تنخفض الأسعار في لبنان، فما هي الأسباب وراء هذه الظاهرة؟ ولماذا لن تنخفض الأسعار في المُستقبل؟ 
من أكثر من 115 دولارا أميركيا للبرميل الواحد في أواسط العام 2014 إلى أقل من 40 دولارا أميركيا في أواخر هذا العام، وعلى الرغم من ذلك لم يلحظ المواطن اللبناني أي إنخفاض في أسعار المواد الغذائية أو الإستهلاكية عامة. كما أن الإستهلاك تراجع بنسبة 17% منذ مطلع العام 2015 وتبقى الأسعار في منحى تصاعدي. أمر غريب مع العلم أن النفط يدخل في صناعة وإنتاج أكثر من 95% من المواد التي تُحيط بنا. هذا التعلق الكبير للصناعة والزراعة والخدمات في النفط يتبدل حسب السلعة من 10% إلى أكثر من 90%، لذا من الطبيعي أنه ومع إنخفاض أسعار النفط أن تنخفض الأسعار. هذه “الآلية الطبيعية” لإنخفاض الأسعار مع إنخفاض أسعار النفط مُبررة بالعوامل التالية:
أولاً: إن المواد المُصنعة أو المُنتجة تستخدم النفط في عملية الإنتاج، وإنخفاض سعر النفط يُترجم بإنخفاض الكلفة على المُنتج. لذا ومع المُنافسة في الأسواق، يسعى المُنتِج إلى خفض الأسعار بغية ربح سوق أكبر وقتل المُنافسة.
ثانياً: بما أن مكان الإنتاج بعيد عن مكان الإستهلاك، من الطبيعي إستخدام وسائل نقل لنقل هذه المنتجات من مكان الإنتاج إلى مكان الإستهلاك. ووسائل النقل هذه تعتمد بشكل حصري على النفط، لذا من الطبيعي أن تقل كلفة النقل وبالتالي تنخفض الأسعار بحكم مبدأ التنافسية المذكور أعلاه.
ثالثاً: إن النفط مُستخدم بشكل مُفرط في إنتاج الكهرباء التي تُستخدم بشكل واسع في القطاع الإنتاجي. وهذا يعني أن إنخفاض أسعار النفط يدفع بالكلفة إلىى الإنخفاض ومعها أسعار مبيعات المنتجات. أيضاً يُمكن قول نفس الشيء عن القطاع الذي يستخدم النفط مباشرة في الإنتاج.
ولمعرفة نسبة الإنخفاض في أسعار المنتجات المُفترض أن تكون، يتوجب حساب إستهلاك النفط في عملية الإنتاج والنقل ليتمّ بعدها بعملية حسابية بسيطة إستنتاج نسبة خفض الأسعار لكل مُنتَج.

لماذا لا تنخفض الأسعار في لبنان؟
إن عدم إنخفاض الأسعار في لبنان على الرغم من الإنخفاض الكبير في أسعار النفط يعود إلى عدة عوامل منها ما هو إقتصادي ومنها ما هو تشغيلي:
أولاً: التضخم والذي يُعبّر عنه بإرتفاع مُزمن للإسعار نتيجة زيادة الطلب. هذا التضخم يمتصّ أي إنخفاض في الأسعار ناتج عن إنخفاض أسعار النفط. وبالتالي من المفروض أن يكون مصرف لبنان جاهزا لمحاربة هذا التضخم، لكن عدم الإستقلالية في السياسة النقدية (مثلث عدم التوافق) تمنع هذا الأمر وقد يكون جزءا من الإنخفاض يُمحى بالتضخم.
ثانياً: هيكلية الإستهلاك في المجتمع اللبناني والتي تتميز بهدرها (الطعام مثلاً) الذي يزيد الإستهلاك بدون سبب وجيه، وبهيكليتها غير العقلانية والتي لا تتناسب مع المدخول ما يجعلها رهينة تحاويل المغتربين اللبنانيين.
ثالثاً: عمليات الإحتكار والتلاعب بالأسعار التي يتميز بها بعض التجار بالجملة والتي وبسبب صغر السوق اللبناني وعدم بلوغه التنافسية المُطلقة، تؤدي إلى دعم الأسعار بشكل هيكلي على مدار السنة ورفعها بشكل آني في المناسبات والأعياد.
رابعاً: قلة وعي المُستهلك اللبناني وخصوصاً الطبقتين الوسطى والغنية من ناحية أنه لا يبحث عن المكان الذي تكون فيه الأسعار أرخص، بل يكتفي بالقول: إن “الأسعار ترتفع” والواقع أنه وبتصرفه يُساعد الأسعار على الإرتفاع. وعلى هذا الصعيد تتحمل الدولة اللبنانية مسؤولية غياب التوعية الإستهلاكية التي تجعل للمواطن كلمة في الأسعار في حين أنه في الواقع الحالي الكلمة تبقى للتاجر.

هل يُمكن للدولة اللبنانية أن تتدخل؟
إن الدولة اللبنانية لا يُمكنها أن تتدخل في تثبيت الأسعار أو تحديدها من منطلق أن الاقتصاد اللبناني هو إقتصاد حرّ. لكن المرسوم الإشتراعي 7383 نصّ على أنه لا يُمكن للتاجر أن يبيع بسعر أعلى بمرتين من سعر الكلفة. وهذا يعني أن الدولة يُمكنها أن تُراقب هذا الأمر وتجازي المخالفين. لكن السؤال كيف يتمّ التأكد من سعر الكلفة؟ في الواقع وبغياب قاعدة بيانات مُشتركة بين الجمارك، وزارة المالية، ووزارة الاقتصاد من الصعب جداً معرفة سعر الكلفة خصوصاً أنه من شبه المُستحيل التأكد من صحة الكلفة.
أيضاً نصّ المرسوم الإشتراعي على ملاحقة الإحتكار والتلاعب بالأسعار وعرّفها بشكل عملي. فالإحتكار هو عبارة عن رفض بيع السلعة بحجة عدم توفرها في حين أن هذا الأمر غير صحيح (حالة المحروقات). أمّا التلاعب بالأسعار، فهو عبارة عن إستفادة آنية من ظروف مُعينة بهدف تحقيق ربح غير شرعي.
أيضاً يُمكن للدولة أن تضع حملات توعية عن الإستهلاك العقلاني وكيفية تعظيم القدرة الشرائية للفرد وفوائد هذا الإستهلاك العقلاني على الدائرة الاقتصادية. كما أن إلزام نشر الأسعار على المواقع الإلكترونية للسوبرماركات والمحال التجارية له من الفوائد الكثيرة التي تسمح بزيادة التنافسية.

الحل يبقى في يد المواطن اللبناني
إن مواطنا واعيا وعقلانيا كافٍ لترشيد الأسعار ولجمها بحركة طبيعية عبر مقاطعة المحال التي تبيع بأسعار عالية. وقد يظن البعض، وهذا حق، أن السعر العالي هو دليل جودة، إلا أن معرفة أن سعر بعض المنتجات يتخطّى الـ 1000% بين بلد الإنتاج وسعر المبيع في لبنان يطرح فرضية “قلة المعرفة لدى المُستهلك اللبناني”. لماذا شراء فنجان قهوة في بعض الأماكن بأسعار خيالية (مع البقشيش والـ Valet Parking) في حين أنه يُمكن شراء نفس الفنجان وبنفس النوعية بأربع مرات أقل في أماكن أخرى؟
نعم الحل الجذري يبقى في يد المواطن والدليل على ذلك القطاع العقاري الذي تجمّدت أسعاره مع إنخفاض الطلب على العقارات. إذاً لماذا لا يُمكن فعل نفس الشيء مع المُنتجات الأخرى؟

يبقى القول: إن اللبناني تعوّد على قبول الأمور كما هي من دون ردة فعل حتى ولو كانت هذه الأخيرة لصالحه. نعم إن لجم الأسعار هو خيار المواطن وعلى الدولة إرغام المحال التجارية على إعلان أسعارها على المواقع الإلكترونية. هذا الأمر وبقوة قانون العرض والطلب، سيدفع بالأسعار إلى الإنخفاض لتقترب من سعر الكلفة ما يجعل الاقتصاد اللبناني إقتصادا حرّا بكل ما للكلمة من معنى. رابط البلد