Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

فرصة لتحفيز نمو الإقتصاد اللبناني

إنها “فرصة العمر” للدولة اللبنانية للنهوض بالإقتصاد الوطني عبر خفض الأسعار التي تستفيد من جهتها بإنخفاض أسعار النفط. فما هي آلية الإستفادة هذه وما هي طريقة تطبيقها؟ إن تهاوي أسعار النفط إلى ما يزيد عن 70% منذ العام 2014، دعم الاقتصاد اللبناني عبر تخفيف فاتورة النفط البالغة أكثر من 5 مليار دولار سنوياً. هذا الإنخفاض في الفاتورة الحرارية إنقسم إلى قسمين: الأول إستفادت منه خزينة الدولة اللبنانية عبر خفض دعم الخزينة إلى مؤسسة كهرباء لبنان، والبالغ 1.5 مليار دولار، والثاني إستفاد منه المواطن عبر إنخفاض كلفة المحروقات والتي تنعكس إيجاباً على قدرته الشرائية، وبالتالي تزيد الإستهلاك في القطاعات الكمالية بحكم أنه في وقت الأزمات ينحصر الإستهلاك بالأساسيات.
وما مُستوى الأسعار الذي بقي على حاله في لبنان (بإستثناء الخبز، والمحروقات) إلا دلالة على صلابة هيكلية الأسعار التي تنعكس إيجاباً على التجار على المدى القصير وسلباً على الاقتصاد على المدى البعيد. من هذا المُنطلق، نرى الضرورة في أخذ خطوات إقتصادية على صعيد الحكومة بهدف “تليين” هذه الهيكلية وجعلها أكثر مرونة لتشمل بذلك مختلف القطاعات التجارية. لكن هذه الخطوات لا تتوقف فقط على الأسعار – التي هي نقطة أساسية في الخطة – بل تشمل إعادة إستثمار ما تم توفيره على خزينة الدولة في الاقتصاد وبالتحديد مؤسسة كهرباء لبنان من خلال إنشاء معامل جديدة بالتدريج. فلبنان كله بحاجة إلى 5 أو 6 معامل بقيمة 600 ميغاواط للمعمل. وهذا الأمر يتم عبر إنشاء أول معمل من التوفير الذي سجّلته الخزينة بدعم كهرباء لبنان والبالغ 750 مليون دولار. وبما أن النفط سيستمر على نفس مستوى الأسعار، فمن المحتمل جداً أن يتمّ توفير هذا المبلغ سنوياً. لكن السؤال المطروح هو لماذا قطاع الكهرباء؟ الجواب بسيط ويكمن في التوفير على خزينة الدولة في حال تمّ إنشاء المعامل والثاني في القدرة الشرائية للمواطن اللبناني التي يذهب منها 20 إلى 30% على الكهرباء والمولدات الخاصة. هذا الأمر إن حصل سيسمح للدولة بإستثمار التوفير المُحقق في الاقتصاد اللبناني وللمواطن بإستهلاك أكبر، وبالتالي فإن عموديّ الاقتصاد – أي الإستثمار والإستهلاك – سيزيدان بنسب كبيرة تعود على الاقتصاد بالفائدة في وقت يبلغ الإنقسام السياسي ذروته.
لكن الأمر لا يقتصر على الإستثمار من قبل الدولة وعلى الإستهلاك من قبل المواطن بل سيطال الشركات التي تعتمد بشكل كبير على الكهرباء والتي تبلغ فاتورتها في بعض الأحيان أرقاماً خيالية. هذا الأمر سيسمح للشركات بزيادة ربحيتها عبر تقليص الكلفة وبالتالي سيكون لها هامش إستثمار أكبر من الهامش الحالي.
وقد يظن القارئ أن السيناريو المطروح هو سيناريو مُبسّط ولا يُمكن تحقيقه، إلا أن معرفة أن الأمر لا يتطلب إلا عقد إتفاق مع شركة أجنبية لإنشاء معامل الكهرباء على فترة 5 إلى 7 سنوات سيجعله يقتنع بسهولة هذا الحلّ.
لقد عانى الاقتصاد اللبناني منذ بدء الأزمة السورية في العام 2011 من تراجع كبير سببه تراجع الإستثمارات. وهذا الإقتراح يُشكّل نقطة الخروج من هذا المأزق الاقتصادي ويُعيد الثقة للمواطن والمُستثمر بالإقتصاد اللبناني. وإذا كانت كل الأطراف السياسية مُتفقة على تحييد لبنان عن الإقتتال الداخلي، فلماذا إذاً لا يتمّ إقرار هذه المشاريع كما وتسهيل الإستثمارات في لبنان عبر دعم القروض للقطاع الخاص بمعدل 500 مليون دولار سنوياً على فترة 10 سنوات؟ هذا الأمر سيُشكّل رافعة للنمو الاقتصادي خصوصاً أن إقتصادنا بحاجة لهذه الإستثمارات والتي، بإعتراف الإقتصاديين، لا يُمكن أن يكون هناك نمو من دونها.
أيضاً يُمكن للحكومة اللبنانية تدعيم هذه الخطة بإجراءات ضريبية تجاه الشركات التي توظف عمالاً لبنانيين ووضع إطار للعمالة السورية وحصرها في عدد من القطاعات التي هي بحاجة ليد عاملة كالقطاع الزراعي والصناعي فقط. وهذا الإقتراح ليس بعنصرية بل هو نابع من منطلق إقتصادي مفاده أن العامل اللبناني يستهلك مدخوله في لبنان، أما العامل السوري والأجنبي عموماً فهو يُرسل الأموال إلى ذويه. وعلى هذا الصعيد بلغت قيمة الأموال المُرسلة من العمال الأجانب في لبنان إلى ذويهم 5 مليارات دولار مقارنة بـ 7.5 مليار دولار، وهي حجم الأموال المُرسلة من قبل المغتربين اللبنانيين إلى ذويهم في لبنان.

إن إنخفاض أسعار النفط عالمياً ، وإنخفاض أسعار اليورو، (الذي يستورد به لبنان 40% من مجمل وارداته)، تحييد لبنان عن الآتون السوري برغبة دولية، ورغبة الأطراف السياسية بإعفاء لبنان من الإقتتال الداخلي تُشكّل إطاراً مثالياً لبدء خروج لبنان من أزمته الاقتصادية. وعلى الطبقة السياسية الإستفادة من هذه الفرصة لوضع حدّ للتراجع الاقتصادي الذي قد يؤدي إلى مشاكل إجتماعية على مثال الحراك المدني في العام الماضي. فيا ليتنا نستفيد من هذه الفرصة ونبدأ مسيرة الإصلاح الإقتصادي لأن المشاريع الإصلاحية المطلوبة هائلة وتتمثل بإصلاح إداري ومالي وإقتصادي كما وخطط إقتصادية تُترجم بموازنة تُقرّ في مجلس النواب لمحو العار الذي نحمله ألا وهو عار الإنفاق على أساس القاعدة الأثني عشرية وذلك منذ عقد.
يقال أن الفرق بين رجل السياسة ورجل الدولة أن الأول ينظر إلى الانتخابات القادمة أما الثاني فينظر إلى الأجيال القادمة. فليُثبت لنا حكامنا أنهم رجال دولة ويُنقذوا الاقتصاد اللبناني لأن هذا ما سترثه الأجيال القادمة.

رابط المدن