مع إقتراب الإستفتاء الشعبي على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي، بدأت المضاربات في الأسواق المالية والتي تُرجمت بتقلبات كبيرة (High Volatility). هذا الأمر دفع بالعديد من المُستثمرين إلى نقل إستثماراتهم إلى أصول تُعتبر ملاذا آمنا كالذهب والفرنك السويسري. لكن الخطر الأكبر يبقى في إحتمال إفلاس بعض الشركات المالية العالمية.وفى رئيس وزراء بريطانيا بوعده بإجراء إستفتاء حول خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي. لكن الثمن قد يكون قاسياً جداً إن على الاقتصاد البريطاني أو حتى على الاقتصاد العالمي. موضوع الإستفتاء هو خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي أي بمعنى آخر تخلّي بريطانيا عن كل الإلتزامات تجاه الإتحاد وعلى رأسها تغيير القوانين التي كانت لندن قد قامت مُرغمة بإقرارها تماشياً مع قوانين الإتحاد. وبالتحديد هنا تكمن المُشكلة، فالرأي العام البريطاني (أو على الأقل قسم منه) يُحمّل الإتحاد الأوروبي مسؤولية تراجع الوضع الاقتصادي البريطاني كنتيجة للقوانين الأوروبية والتي – بحسب البريطانيين – تُقيّد الشركات البريطانية وبالتالي تمنع نموّها كما يجب مما يزيد البطالة. أضف إلى ذلك، السياسة الأوروبية تجاه الهجرة وخصوصاً العربية منها وأوروبا الشرقية حيث شكّلت الهجرة السورية الأخيرة النقطة التي أفاضت الوعاء مع الأعمال الإرهابية التي طالت باريس وبروكسل والتي كان لبعض المهاجرين السوريين يد فيها.هذا الواقع جيّش الرأي العام البريطاني وزادت حدّة المواجهة بين المؤيّدين لخروج بريطانيا من الإتحاد والمعارضين له. هذه المواجهة بلغت ذروتها مع قتل نائبة بريطانية معارضة للخروج من الإتحاد على يدّ شاب بريطاني مُتطرّف ما دفع بالسلطات البريطانية إلى تعليق الحملات الدعائية.وإذا كانت إستطلاعات الرأي تُعطي 51% لمؤيدي الخروج من الإتحاد، إلا أن النتيجة غير محسومة خصوصاً بُعيد التنبيهات القوية التي أتت من مؤسسات مالية وإقتصادية محلية وعالمية تُنذر بعواقب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوربي وخصوصاً العواقب على الاقتصاد البريطاني والذي من المُتوقع أن يتراجع في العام 2017 في حال الخروج كما أعلن صندوق النقد الدولي. وأيضاً صرّح المصرف المركزي البريطاني أن خروج بريطانيا من الإتحاد ستكون له تداعيات سلبية على الاقتصاد البريطاني ويُقلّل من جاذبيته الإستثمارية.خلال هذا الوقت وحتى 23 حزيران 2016 – موعد الإستفتاء – تعيش الأسواق المالية العالمية حالة من الهلع سببها الغموض الذي يعتري نتيجة الإستفتاء. وبدأ المُستثمرون يتحضرون لهذا اليوم الكبير في حياة الأسواق المالية، إذ بدأت المراهنات على إنخفاض الجنيه الإسترليني تأخذ طريقها مع تراجع العملة البريطانية مقابل العملات العالمية الرئيسية. وعلى هذا الصعيد فضّل عدد من المُستثمرين الخروج من كل الإستثمارات التي قد تطالها نتيجة الإستفتاء وخصوصاً الأصول المُقومة بالجنيه الإسترليني، وعمدوا إلى إختيار ملاذات آمنة كالذهب والفرنك السويسري.أسعار الذهب والفرنك السويسريتُظهر البيانات التاريخية أن أسعار الذهب والفرنك السويسري مُقابل الدولار الأميركي، بدأت بالإرتفاع بشكل كبير منذ أول شهر حزيران 2016 حيث إرتفع سعر الذهب 68 دولارا أميركيا للأونصة الواحدة وإرتفع سعر صرف الفرنك السويسري مُقابل الدولار 353 نقطة أساس أي من 1.0064 إلى 1.0418 في 17 حزيران 2016.ليلة 23-24 حزيران ستكون طويلة…نتيجة الإستفتاء على خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي لن تظهر إلى صبيحة يوم الجمعة 24 حزيران 2016. وهذا يعني أنه ومنذ إقفال الصناديق الساعة العاشرة مساءً وحتى صبيحة اليوم الثاني، ستعيش الأسواق حالة من الهلع نتيجة الغموض الذي سيعتري ظهور النتيجة. فالنتائج الجزئية التي ستظهر خلال ليل 23 حزيران كما وإستطلاعات الرأي التي ستُجرى على أبواب مكاتب الإقتراع، ستلعب دوراً كبيراً في إستراتيجيات المُستثمرين الكبار من مصارف وصناديق إستثمارية.وبالحديث عن الصناديق الإستثمارية، يجب ذكر الدور السلبي الذي تلعبه هذه الصناديق في أوقات الأزمات التي تعتبرها فرصة ذهبية لتحقيق الأرباح الهائلة مُتسلّحين بسيولة عالية جداً وبخطط إستثمارية خطرة (relative value strategies). ومن المُتوقع أن تكون هذه الصناديق قد دعت نفسها إلى حفل الإستفتاء هذا وستعمل جهدها لتعظيم أرباحها عبر خلق تقلبات عنيفة الجنيه الاسترليني(Violent fluctuations of British Pound). هذا الأمر سيتم عبر نشر نتائج إستطلاعات الرأي التي ستُجرى على أبواب مكاتب الإقتراع قبل ظهور النتيجة الرسمية خصوصاً إذا كان هناك فارق كبير في الأصوات.لكن في حال كانت الأصوات مُتقاربة، فلن يكون هناك من قرار واضح لدى المُستثمرين وبالتالي فإن سوق سندات الخزينة وسوق العملات سيشهدان تقلبات كبيرة خصوصاً أن سوق العملات (Forex) يعمل 24 على24 وبالتالي سيكون الأكثر تأثراً.ويبقى الخوف من أن تكون هناك صدمة كبيرة في الأسواق تؤدي إلى خلق فجوة (GAP) في الأسعار تكون السبب في إفلاس العديد من المُستثمرين وحتى الشركات المالية كما حصل مع شركة ALPARI التي أفلست مطلع هذا العام نتيجة تقلبات قوية على سعر صرف الفرنك السويسري. وإذا كانت الشركات المالية والمصارف قد أخذت إحتياطات لتفادي الكوارث، إلا أن النظريات المالية لا تعمل خلال فترات الأزمات وبالتالي كل عمل إحتياطي تأخذ هذه المؤسسات تبقى غير مضمونة 100%.معضلة المصرف المركزي البريطانيعلى مستوى آخر يستعد المصرف المركزي البريطاني للدفاع عن الجنيه الإسترليني إبتداءً من نهار الجمعة 24 حزيران وذلك في ظل المخاوف من تقهقر العملة البريطانية. وهنا تظهر مشكلتان: الأولى تتعلق بالإجراء الواجب إتخاذه من المصرف المركزي البريطاني والثاني يتعلق بالمُستثمرين. على صعيد المصرف المركزي وفي حال إنهار سعر صرف الجنيه الإسترليني، سعيمد إلى شراء العملة البريطانية ورفع الفائدة عليها لتتمكن هذه الأخيرة من الحفاظ على قيمتها. لكن هذا يذهب بعكس الإتجاه إلى خفض الفائدة لدعم الاقتصاد البريطاني الذي يعاني حالياً من تراجع ملحوظ. أما على صعيد المُستثمرين فإن هبوط العملة البريطانية بشكل كبير سيؤدي إلى ردة فعل من قبل المصرف المركزي الذي سيرفع قيمة العملة بنفس نسبة الهبوط وهذا الأمر يعني أن التداعيات على وضعيات المُستثمرين ستكون مضاعفة خصوصاً إذا ما كانت سلبية.أيضاً يجب ذكر مخاطر أخرى تتعلق بتوفر السيولة في المصارف البريطانية صبيحة يوم الجمعة 24 حزيران 2016. فهذه المصارف ستشهد طلبا كبيرا على العملات وبالتالي سيكون على المصرف المركزي البريطاني أن يؤمّن هذه السيولة تحت طائلة خفض التصنيف الإئتماني للمصارف البريطانية. وعلى هذا الصعيد قام المركزي البريطاني بالطلب من المركزي الأوروبي دعمه بقروض على اليورو لتلبيه الطلب خلال الفترة التي ستلي الإستفتاء. كما يُمكن ذكر مخاطر لها علاقة بالمعلوماتية (IT) والتي قد تشهد ضغطاً كبيراً خلال الفترة المُمتدّة قبل وبعد الإستفتاء.من هذا المُنطلق نستنتج أن عملية الإستفتاء التي رأت النور بوعد إنتخابي، قد تكون كارثية على الاقتصاد البريطاني وعلى العديد من المؤسسات المالية. وبالتالي يتوجب على المُستثمرين الصغار عدم الغوص في لعبة الكبار في الأسواق المالية تحت خطر الإفلاس خصوصاً أن اللاعبين الكبار من صناديق إستثمارية وغيرها تمتلك موارد هائلة من إختصاصيين وآلات حسابية لا يمتلكها المُستثمرون الصغار.أما في ما يخص لبنان، فنرى أن المصارف اللبنانية لم تُصرّح عن مدى إستعدادها لمواجهة تداعيات الإستفتاء البريطاني وتأثيره على محافظها ومحافظ زبائنها. ونأمل أن تكون كل الإحتياطات اللازمة قد تمّ أخذها لتفادي أزمة في قطاعنا المصرفي قد نكون بغنى عنها في وقت يعيش فيه هذا القطاع تحت ضغوطات سياسية جمّة.رابط البلد