jassemajaka@gmail.com
القطاع العقاري البريطاني.. بداية أزمة؟
خمسة عشر يوماً مرّت على تصويت البريطانيين على الخروج من الاتحاد الأوروبي والجنيه الإسترليني ما زال يفقد من قيمته. لكن الأصعب هو ظهور عوارض أزمة عقارية قد تكون بداية أزمة مالية تضرب القطاع المصرفي والمالي البريطاني وتطال دولاً أخرى. إستمر سعر صرف الليرة الإسترلينية مقابل الدولار الأميركي بالهبوط في الأسواق المالية، فبين سعرها في 23 حزيران/ يونيو الماضي بحدود 1.4819 للدولار الواحد وسعرها بتاريخ 6 تمّوز/ يوليو على 1.2919 هناك فرق 196 نقطة أساس. وهذا فارق كبير في عالم الأسواق المالية. كذلك، استمر تراجع الباوند البريطاني مقابل اليورو، حتى ما بعد الإستفتاء، إذ تهاوى سعر صرفه مقابل اليورو من 1.3006 في 23 حزيران/ يونيو إلى 1.1447 في 6 تمّوز/ يوليو، أي بفارق 136 نقطة. وإذا كان البنك المركزي البريطاني أعلن، قبل الاستفتاء، إستعداده للتدخل، إلا أن تدخلاته ما زالت محدودة التأثير، بحكم أن رفع سعر الجنيه في هذا الوقت العصيب يعني أمراً من إثنين: إما أن البنك المركزي سيأخذ من إحتياطاته للدفاع عن الليرة الإسترلينية. وهذا الأمر لا يُمكن أن يستمرّ إلى ما لا نهاية، أو أن البنك المركزي سيرفع سعر الفائدة. وهذا الأمر خطوة غير ذكية في وقت أصبحت فيه الإستثمارات أقلّ. يُسهم القطاع العقاري في بريطانيا بنسبة 11% من الناتج المحلّي الإجمالي (أرقام العام 2014). وهو يأتي سواسية مع قطاع التجزئة في المرتبة الأولى، من ناحية المُساهمة. ويعمل في هذا القطاع 2.1 مليون عامل، 12% منهم أجانب ومعظمهم من أوروبا (بولندا 30120 عامل، رومانيا 24842، ليتوانيا 7569، بلغاريا 5443، لاتفيا 3830، الهند 6704 …). خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي يعني إنخفاض الإستثمارات وقلة اليد العاملة المحترفة في القطاع العقاري. وبالتالي، ومع إنخفاض الجنيه الإسترليني، هناك خطر أزمة عقارية قد تكون كارثية. ووفق بعض الدراسات البريطانية، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يدفع بالإستثمارات الأوروبية إلى الإنخفاض إلى أكثر من 60%، وهي التي تُموّل المشاريع في بريطانيا إلى حد الثلثين. كذلك، ومع إنخفاض الجنيه الإسترليني، فإن كلفة البناء على المُطورين العقاريين ستزيد حكماً. ما يعني قلّة الربحية، وبالتالي مشاريع أقل للبناء. أما في ما يخص اليد العاملة فإن قسماً كبيراً منها سيعود حتماً إلى بلاده بسبب القوانين التي سيتمّ فرضها على العمالة الأوروبية في بريطانيا. ما سيؤدّي حتماً إلى نقص في اليد العاملة، وعدم القدرة على تلبية الطلب. من هذا المُنطلق، هناك تخوّف من أن تكون مشاكل القطاع العقاري بداية لأزمة مالية كبيرة، خصوصاً أن هناك بعض العوامل التي أخذت بالظهور والتي تُنذر بالأسوء. فبعض الصناديق الإستثمارية حصراً في القطاع العقاري، أوقفت عمليات سحب الأموال من الأفراد، علماً أن هذه الصناديق مفتوحة على مثال Standard Life، Aviva Investment، و M&G وغيرها. وهذا الموقف يُشبه إلى حدٍ كبير ما حصل خلال الأزمة المالية في العام 2008، إذ أوقفت الصناديق العمليات على حصصها. ما جعلها تفقد السيولة. والأرقام المتوافرة في الأسواق المالية (بحكم إلزامية نشرها) تُشير إلى أن مُعظم الصناديق الإستثمارية في القطاع العقاري تواجه أزمة سيولة كبيرة. والسبب يعود بالدرجة الأولى إلى أن العديد من الشركات الأجنبية أخلت مكاتبها. ما زاد العرض في السوق بشكل لافت لا يستطيع أن يستوعبه الطلب حالياً، خصوصاً مع ارتفاع الأسعار. ما يعني أن هناك إلزامية في هذا السوق الحرّ لخفض الأسعار التي فقد على مدى العام الماضي أكثر من 19% من قيمتها. هذا الواقع نذير شؤم لأن المخاوف بدأت تتهدد الصناديق الأخرى بأزمة سيولة (ظاهرة الدومينو). فرفض سحب الأموال لمالكي الحصص (أي إعادة الحصص إلى الصندوق) قد يؤدّي إلى خلق مخاوف في السوق البريطاني. وبالتالي، تهافت أكبر وخلق panic في الأسواق. ورغم إعلان البنك المركزي البريطاني إستعداده لمد الأسواق بـ250 مليار جنيه إسترليني من السيولة، إلا أن هذا الأمر لا يُمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، إلا إذا تمّ طبع العملة. وبالتالي، إضعاف الجنيه الإستيرليني أكثر. من هذا المُنطلق، قامت السلطات البريطانية بإعلان خفض الضريبة على أرباح الشركات إلى 15%، في خطوة تهدف إلى إقناع بعض الشركات بالبقاء في العاصمة لندن التي تُشكّل محور العمليات إلى أوروبا. بالطبع، هذا الأمر لن يكون سهلاً، خصوصاً أن هناك غموضاً يلفّ سعر صرف الجنيه الإسترليني ومُستقبل العلاقات التجارية مع أوروبا. يبقى السؤال إذا كانت بريطانيا قد ارتكبت حماقة بتصويتها على الخروج من أوروبا؟ والجواب ليس سهلاً، والتاريخ وحده قادر على إخبارنا. لكن، من المؤكد أن المخاوف التي تحكم سلوك المُستثمرين إن في الإقتصاد مباشرة أم عبر الأسواق المالية، أخذت اتجاهاً سلبياً، كما تُظهره زيادة الطلب على سحب الأموال من الصناديق العقارية. وفي إنتظار ردة فعل البنك المركزي البريطاني على هذا الواقع المُستجدّ، من المُتوقع أن تنخفض أسعار العقارات في بريطانيا بشكل ملحوظ قد يصل إلى النصف إذا ما سيطر خوف أكبر على المُستثمرين. وقد يتطور الأمر إلى حد خلق أزمة مالية لن تضرب بريطانيا وحدها بل قد تطال المصارف والدول التي تستثمر بشكل كبير في بريطانيا، على مثال بعض الدول الخليجية. اللافت في الأمر أن بريطانيا (إقتصادياً) خسرت حتى الساعة أكثر من 7 أضعاف ما دفعته في الاتحاد الأوروبي منذ دخولها في سبعينات القرن الماضي. لكن المخاوف تتمحور حول إرتفاع الفاتورة أكثر من ذلك.