jassemajaka@gmail.com
مصرف لبنان يحضّر لإطلاق رزمة تحفيزية جديدة بقيمة مليار دولار
منذ إندلاع الحرب السورية وما حملته من تداعيات أمنية وسياسية سلبية على الداخل اللبناني، وما تزامن معها من تراجع في اداء القطاعات الاقتصادية وضعف في نسب النمو التي قاربت الصفر في المئة في بعض الاحيان، اتخذ مصرف لبنان على عاتقه، منذ ما يقارب الـ 3 سنوات، تحفيز عدد من القطاعات الاقتصادية عبر اقرار سلسلة من خطط التحفيز بشروط ميسّرة.
تخطى مصرف لبنان دوره الاساسي الذي حددته النظرية الاقتصادية الشاملة، ويلخص بالحفاظ على الاستقرار النقدي أي توظيف كل الادوات التي يمتلكها للمحافظة على استقرار الليرة اللبنانية وحمايتها مع مراقبة نسب التضخم، بالاضافة الى إدارة نسب الفوائد وحماية القطاع المصرفي والاشراف عليه. ولكن مصرف لبنان ذهب أبعد من ذلك في الوظائف الاساسية التي نص عليها بوضوح قانون النقد والتسليف، الذي أسس على اساسه مصرف لبنان وحدد دوره، وأصبح المركزي قبل اعوام المحرك الاساسي للإقتصاد المحلي والداعم الابرز له عبر خطط التحفيز التي أقرها والتي يستمر في اقرارها.
وصل مجموع الرزم التحفيزية التي أطلقها مصرف لبنان في العام 2013 الى 4,4 مليارات دولار، وتابع مبادراته المحفّزة للاقتصاد عبر دعم الفوائد على قطاعات السكن والصناعة والزراعة والسياحة والإبداع الفني، اضافة الى القروض التعليمية وقروض القطاع التربوي والصحي والاستشفائي، ودعمه للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. وبحسب الارقام الصادرة عن مصرف لبنان، استفاد من هذه القروض 153,000 شخص ومؤسسة، وبلغ رصيدها التراكمي 14 مليار دولار.
وتشكّل القروض السكنية 63% من هذه القروض، موزّعة على 98,000 مقترض، في حين تستفيد القطاعات الانتاجية من 37% منها. واللافت في الامر، ان هذه المبادرات ساهمت بأكثر من 50% من نسب النمو السنوي الذي حققها لبنان منذ العام 2013.
حيال هذا الموضوع، يقول الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة أن مصرف لبنان مُلزم دعم القطاع العقاري وذلك للحفاظ على مستوى مقبول يسمح بالحفاظ على اسعار القطاع العقاري ويسمح بتفادي المخاطر النظامية (Systemic) الناتجة من التعرّض الكبير للقطاع المصرفي. أما في ما يخص القروض الإستثمارية، فيشير عجاقة الى أن العلاقة المترابطة والخطيّة الموجودة بين حجم الإستثمارات التي ضخّت والناتج المحلّي الإجمالي، تؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي بنسبة 0.5% لكل 300 مليون دولار يتم إستثمارها، وبالتالي كان طبيعياً أن يُسجّل الاقتصاد نمواً نتيجة هذه الإستثمارات التي ادرجت ضمن الخطة التحفيزية للمركزي.
والجديد في هذه الخطط، نيّة مصرف لبنان إطلاق رزمة تحفيزية إضافية بقيمة 1500 مليار ليرة أي ما يقارب مليار دولار خلال السنة المقبلة، وذلك في اطار تعميمه الوسيط الجديد الرقم 444. ويأتي هذا القرار كـتكملة للرزمات التحفيزية التي أطلقها منذ العام 2013 والتي تهدف الى دعم حركة التسليف الى القطاع الخاص وتسريع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد. وفي هذا السياق، سيقوم البنك المركزي بضخ خطوط ائتمان لدى المصارف بمعدل فائدة يبلغ 1% بغرض تمويل قطاعات اقتصادية مختلفة بنسب فوائد متدنية لا تتخطى الـ 6%، منها القطاعات الانتاجية، قطاع السكن، البحث والتطوير، التعليم، تكنولوجيا المعلومات، المشاريع الصديقة للبيئة وغيرها، فيما حدّد سقفاً لقطاع السكن عند 60% اي ما قيمته 900 مليار ليرة. ونتيجة هذه الخطوة، ستصل القيمة الاجمالية لمجموع الرزم التحفيزية التي أطلقها مصرف لبنان منذ العام 2013 ومع حلول سنة 2017 الى نحو 5,4 مليارات دولار. وهذا الأمر يؤكد، بحسب عجاقة، غياب السياسة المالية للدولة اللبنانية التي كان من المفروض أن توفر خططاً تحفيزية للقطاعات الإنتاجية ضمن إستراتيجية وطنية للنهوض بالإقتصاد. ويلفت الى أنه لا يُمكن أن تستمر الدولة من دون إصلاحات إقتصادية تطاول القوانين التي تُحفّز الإستثمارات كالتحفيز الضريبي أو إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، اضافة الى اقرار اصلاحات ادارية شاملة تخصّ مباشرة الوزارات والإدارات العامة وتتمّ من خلال تفعيل عمل الموظفين ومحاربة الفساد. ووفق عجاقة، استطاع مصرف لبنان أن يُثبت عبر سياساته أنه كان حاضراً في كل الاستحقاقات التي واجهتها وستواجهها الدولة، مما سيظهر جلياً مع استحقاقات مالية ستواجهها الدولة في سنة 2017 وقيمتها 7.9 مليارات دولار. وإذا كان مصرف لبنان سيؤدي دوره في توفير هذا المبلغ، إلا أنه كان الأجدّى بالدولة وضع سياسة مالية تسمح للماكينة الإقتصادية بتسديد هذا المبلغ، لأن هذه الآلية هي الآلية الطبيعية في الإقتصاد.