jassemajaka@gmail.com
ما هي مبررات الهندسة المالية؟
قامت الهندسة المالية التي اتبعها مصرف لبنان في الاشهر الماضية على أساس استبدال سندات دين بالليرة اللبنانية لديه بسندات دين بالعملات الاجنبية بقيمة ملياري دولار بالتنسيق مع وزارة المال، وبفوائد تراوحت بين 6.25% و 6.85% بحدها الاقصى. كما قام المركزي بشراء سندات خزينة بالليرة من المصارف اللبنانية بقيمتها الاسمية بـ11325 مليار ليرة بإستحقاق أقل من 12 سنة مع فوائدها غير المستحقة تتراوح بين 7.08% و8.74% بحدها الاقصى، فيما قام في المقابل ببيعها سندات دين بالـدولار ومنها اوروبوند، وشهادات ايداع شرط ان تدفع هذه المصارف قيمة هذه السندات من اموالها الخارجية أو من أموالها الداخلية، فيما وصل حجم شهادات الايداع التي تم بيعها للمصارف الى 5.5 مليارات دولار وبفائدة 7%. وساهمت هذه الخطوة للمركزي والقطاع المصرفي في تحقيق مداخيل استثنائية وفورية بالليرة بنحو 4000 مليار ليرة نتجت من مقاسمة قيمة الفوائد غير المستحقة. يعتبر الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني ان من اهم الاسباب التي دفعت مصرف لبنان لإتمام هذه الهندسات هي المخاوف من ضعف قدراته على حماية الاستقرار النقدي وصعوبة تأمين حاجات الدولة والاقتصاد بهذه العملات نتيجة الازمة الدستورية، خلال الشغور الرئاسي، وتراجع مداخيل الدولة بالعملات الاجنبية، اذ أن تقلص تحويلات المغتربين بنسبة 7% وتراجع الاستثمارات الاجنبية المباشرة بنسبة 45% والصادرات بنسبة 33% ونمو الودائع غير المقيمة بنسبة 5% وتراجع مداخيل السياحة بنسبة 40% وأيضا نتيجة زيادة الاستيراد لاكثر من 30% حوّل ميزان المدفوعات من فائض يقارب 3.3 مليارات دولار الى عجز يفوق 3.2 مليارات دولار. ويؤكد وزني ان من أبرز أهدف الهندسة تعزيز إحتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية لحماية الاستقرار المالي والاجتماعي، ودعم ميزانيات المصارف وتعزيز رساميلها الخاصة والمؤونات الضرورية لتلبية المعايير المحاسبية الدولية (IFRS9). ولكن، بحسب وزني، حملت الهندسات بعض الملاحظات ومنها كلفتها الباهظة، اذ منحت القطاع المصرفي مداخيل استثنائية هائلة قاربت 5.6 مليارات دولار، بالاضافة الى سيولة مرتفعة بالليرة لدى المصارف ما دفعت بمصرف لبنان لاصدار شهادات إيداع بالليرة وبفائدة 5% لامتصاصها بقيمة تخطت الـ 5 الاف مليار ليرة. كما شهدت سوق القطع بعض التوتر نتيجة طرح بعض كبار المصارف منتجات مالية بالدولار بمردود فوري ومرتفع وصل الى 20%، مما شوّه ايجابيات الهندسة واهدافها ودفع بالمسؤولين الى المطالبة بفرض ضرائب استثنائية عليها بمعدل 30%. وتعليقاً على إصدار الاوروبند الاخير الذي بلغ حجمه 3 مليارات دولار، يشير وزني الى حجم الاكتتاب الذي بلغ 6 أضعاف ووصل الى 17.8 مليار دولار لرغبة المصارف في استبدال شهادات ايداع بالدولار لدى المركزي بمعدلات فوائد تراوح بين 6.25% و6.50% (الهندسة المالية) بسندات اوروبوند لدى وزارة المال بفوائد تراوح بين 6.85% و7.25%. وفي ما يتعلق بالهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الفترة الماضية، يعتبر وزني ان هذا الهجوم مجحف وغير محق وغير منصف بسبب الانجازات الكبيرة التي حققها الحاكم في العقدين المنصرمين على صعيد حفاظه على الاستقرار النقدي، وتطور ونمو وانتشار القطاع المصرفي، ودوره مؤخراً في تنشيط الاقتصاد وحماية القطاعات الاقتصادية. بدوره، يعتبر الخبير الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة ان المطامع في منصب حاكم مصرف لبنان أجّجت الحملة ضد حاكم المركزي من باب الهندسة المالية حيث تم إستخدام معلومات منقوصة سربها موظف في مصرف لبنان أصبحت هويته معروفة في القطاع المصرفي. وسمحت الهندسة للمصارف، بحسب عجاقة، في تحويل فائضها من الدولارات إلى سندات اصدرها مصرف لبنان في الوقت الذي قام فيه المصرف بتحويلها إلى سندات سيادية بفضل الهندسة المالية. والطلب على الدولار كان نتيجة الكمية العالية من الدولارات التي تمّ جمعها بواسطة الهندسة. وبالتالي فإن الأشخاص الذين قالوا إن الهندسة خلقت شحاً في الدولار، يقولون اليوم إن هناك فائضاً بالدولار على الرغم من الهندسة المالية، وهذا يعكس مدى إعتماد هذه الأبواق على الشائعات ليس على المضمون. ويعتبر عجاقة ان الهندسة إنعكست إيجاباً على الإقتصاد من خلال:
أولًا – دعم إحتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية في وقت نرى أن الإحتياطات في العملات الأجنبية في الدول المجاورة تتهاوى. وقد إرتفعت احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية الى مستويات قياسية من 33.2 مليار دولار في حزيران 2016 الى 52 مليار دولار منتصف آذار، الامر الذي شكل دعماً لليرة التي ومن منظار إقتصادي بحت تتعرض لضغوط هائلة نتيجة تراجع الإقتصاد وميزان المدفوعات الذي وصل إلى مستوى تاريخي، ولكن الهندسة أدّت إلى إعادة التوازن له وهي شبه مُعجزة في ظل الظروف الحالية.
ثانياً – شكّلت الهندسة دعمًا للمصارف التي تُشكل حالياً العمود الفقري لمالية الدولة. وبالتالي فإن الهندسة دعمت متانة الدولة بدعمها للمصارف. ويتابع: “خلافاً لبعض التسريبات التي تدّعي أن حفنة من المصارف إستفادت من هذه العملية، فإن المصارف إستفادت من هذه الهندسة حتى أنه تمّ قبول مصارف بإستثمارات بقيمة 10 ملايين دولار فقط وهذا الأمر غير معهود طبيعياً إذا لا يتمّ القبول إلا بإستثمارات بمئات الملايين”.
ثالثًا – أدّت الهندسة بحسب عجاقة إلى دفع المصارف إلى خفض الفوائد على القروض التسليفية بحكم الفائض بالليرة اللبنانية.
ويتابع عجاقة: “رأينا أن الفوائد على القروض السكنية تنخفض بشكل ملحوظ فاتحة المجال أمام العديد من الشباب اللبناني للإستفادة والتملّك. كما أن الفائض بالسيولة الناتج من هذه الهندسة دفع المصارف إلى تليين شروط القروض الإستثمارية وهذا أمر لافت في وقت يحتاج فيه لبنان إلى إستثمارات”. ويقول: “بإعتقادنا أن كل هذه الشائعات هدفها معروف ويتزامن مع إقتراب إنتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان. لا يُمكن القيام بمغامرة قد تؤدّي إلى تداعيات على أكثر من 750 ألف مواطن لبناني يقبضون إجورهم بالليرة”.
وأوردت “موديز” في تقريرها أن “الفوائض التي جَمعتها المصارف اللبنانية نتيجة الهندسة أنعشت ميزانياتها وتستدعي النظر بإيجابية إليها، وتم توظيف هذه الفوائض لتكوين مؤونات بـ2% على إجمالي المحفظة التسليفية مع تطبيق المعيار الدولي (IFRS9) ومؤونات لمواجهة تدنّي قيمة الشهرة، ولإطفاء الخسائر على الإستثمارات في بعض المصارف التابعة لها في الخارج”.