jassemajaka@gmail.com
طريق مشروع الموازنة مُعبّد بالألغام
ما هو مصير مشروع موازنة ٢٠١٧ الذي أقرّه مجلس الوزراء؟ سؤال مشروع في ظل الغموض الذي يلفّ المشروع بحدّ ذاته والضرائب التي تشمله. فهذا المشروع لا يحتوي على مشروع سلسلة الرتب والرواتب ولا الضرائب التي تموّلها، مع العلم أن السلسلة هي إنفاق والضرائب هي مداخيل، وبالتالي فإن مكانها الطبيعي هو في داخل الموازنة.
أيضًا لا يتضمّن مشروع موازنة ٢٠١٧ الخطّة الإنقاذية لقطاع الكهرباء التي أقرّها مجلس الوزراء في اليوم الذي تلّى إقرار مشروع الموازنة. وهذه الخطّة هي بأكملها إنفاق، وبالتالي فإن مكانها الطبيعي هو في داخل الموازنة.
ملفان بخلافات سياسية
هذا الأمر يُمكن ملاحظته من تصريح وزير المال على حسن خليل الذي قال في مؤتمر صحافي: وعدتنا المصارف بمبلغ ١٠٠٠ مليار ليرة كما وعدنا وزير النقل والأشغال بمبلغ ٢٠٠ مليون دولار أميركي عبر تحاويل إضافية من الجمارك إلى الخزينة. فهذه اللهجة لا تعكس أرقاماً تمّ إقرارها في الموازنة بل هي تمنيات، وهذا أمر مُستغرب في عالم المالية العامة لأن المبدأ ينص على أن مداخيل الموازنة هي مداخيل شبه أكيدة من ناحية أن النشاط الاقتصادي يُشكل الغموض الوحيد في هذه الإيرادات.
لكن الغموض الذي يعتري مشروع الموازنة المُقرّ لا يقتصر فقط على هذه النقاط. فالإجراء الضريبي المُتمثّل بزيادة الضريبة على القيمة المُضافة والتي أعُلِن أنها أُقرّت في مجلس الوزراء، تمّ نفيها من قبل النائب كنعان، الذي قال إن الأمر هو بيد النواب. من هذا المُنطلق، يُمكن الإستنتاج أن الإيرادات في موازنة ٢٠١٧ هي إيرادات مطّاطة وبالتالي لا يُمكن إعتبار هذا المشروع صالحًا للإقرار من قبل مجلس النواب.
لكن المُشكلة الأكبر التي تواجه مشروع موازنة ٢٠١٧، تبقى في الشق القانوني. فالمادة ٨٧ من الدستور تنص على إلزامية موافقة مجلس النواب على الحسابات النهائية للسنة قبل نشر موازنة السنة التي تلي. وبالتالي نستنتج أنه وبغياب قطع الحساب عن العام ٢٠١٦، هناك إحتمالين مُمكنين:
– الأول، ينص على فتوى قانونية تُلغي أو تُعطّل مفعول هذه المادة لمرة واحدة.
– الثاني، منصوص عليه في المادة ٨٦ من الدستور والتي تنص على أنه وفي حال لم يبت مجلس النواب بمشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يُصدر مشروع الموازنة بمرسوم تشريعي.
والإحتمال الثاني يُشكّل الحلّ الأكثر واقعية من ناحية أن التضحية بالحكومة أسهل من التضحية بمجلس النواب، خصوصًا أننا على أبواب إنتخابات نيابية. من هذا المُنطلق، نرى أن طريق الموازنة ما زال طويًلا قبل الإقرار.
هل تتأمن الموارد؟
الجواب على هذا السؤال يفرض علينا معرفة عدد من النقاط:
أولًا – كلفة سلسلة الرتب والرواتب الفعلية بشقّيها: زيادة الحدّ الأدنى للأجور وغلاء المعيشة يبلغ ٢٤٠٠ مليار ليرة لبنانية (١.٦ مليار دولار أميركي). تمّ إقرار غلاء المعيشة من دون تأمين إيرادات له ويتمّ منحه للموظفين على سبيل سلفة (القانون غير موجود). وهذا الأمر تمّ في عام ٢٠١٤ كنتيجة لإنخفاض تحاويل الخزينة إلى شركة كهرباء لبنان (إنخفاض أسعار النفط). وهذا يعني أنه من المفروض إيجاد تمويل دائم لسلسلة بقيمة ١.٦ مليار دولار أميركي.
ثانيًا – كلفة الخطّة الإنقاذية للكهرباء غير معروفة نظرًا لغياب تفاصيل إنشاء المعامل وخط الغاز الساحلي. لكن ثمن إستئجار باخرتين جديدتين معروف بدقّة، حيث أن كلفة الأربع بواخر ستوازي المليار دولار سنويًا (٨٥٣ مليون دولار أميركي). وتنوي وزارة الطاقة تحصيل هذا المبلغ من ثلاثة مصادر: رفع تعرفة الكهرباء، زيادة الدعم لمؤسسة كهرباء لبنان، والثالث من التوفير الذي سيحققه المواطن من تبديل المولدات الخاصة (٣٥٠ ليرة للكيلوات ساعة) وبالبواخر (١٩٠ ليرة للكيلوات ساعة).
ثالثًا – لا إصلاحات فعلية موجودة في مشروع موازنة ٢٠١٧ وبالتالي فإن كلفة الفساد والهدر ستبقى هي نفسها في ٢٠١٧، ما يعني المُحافظة على المُستوى نفسه من الخسارة المالية والاقتصادية (بحدود الـ ١٠ مليارات دولار سنويًا).
رابعًا – لا يوجد أي تحفيزات للنمو الإقتصادي (لا قانون إنتخاب في الإفق، لا سياسة ضريبية لتحفيز الإستثمارات…) وهذا يعني أن الاقتصاد اللبناني سيستمر على وتيرة النمو نفسها الناتجة عن النشاط الريعي (تحاويل المُغتربين، أرباح المصارف…).
خامسًا – هذه السنة ستشهد ظهور مشاكل عدة اجتماعية، اقتصادية ومالية كنتيجة للتآكل المُستمر في كيان الدولة المالي والاقتصادي والاجتماعي. وهذا الواقع المؤسف سيزيد من الضغط على الحكومة اللبنانية وبالتالي سينسحب على أدائها وعلى الثقة بها.