jassemajaka@gmail.com
ورقة الحريري الإقتصادية تعتمد بشكل أساسي على دعم مصرف لبنان
خفض العجز من 7.38% إلى 0.6% يطرح العديد من الأسئلة حوّل فعّالية الإجراءات
الديار | بروفسور جاسم عجاقة
لم تستطع ورقة الرئيس الحريري الإقتصادية وإقرار موازنة العام 2020 مع عجز 0.6%، من إمتصاص غضب الشارع حيث إرتفعت أعداد المتظاهرين بعد كلمة الرئيس الحريري عقب إنتهاء جلسة مجلس الوزراء، بنسبة فاقت كل التوقّعات. المُفلت في الأمر أن المتظاهرين رفضوا هذه الورقة بشكّل شبه تلقائي مما يُفسّر أن المُشكلة بالدرجة الأولى هي مُشكلة ثقة بين الشعب والطبقة السياسية التي أصبح معها من شبه المُستحيل قبول أي ورقة من قبل المُتظاهرين حتّى لو كانت مثالية.
على صعيد أخر وبلغة الأرقام نرى أن هذه الورقة تعتمد بشكلّ أساسي على دعم مصرف لبنان الذي يؤمّن 3.3 مليار دولار أميركي من أصل عجز بقيمة 4.1 مليار دولار أميركي (ما يفوق الـ 80%)، أمّا التخفيض الباقي أي ما يُقارب الـ 19.4% فهو آت من باقي الإجراءات. وهنا قد تظهر مُشكلة أساسية في هذا الموضوع وهو مدّى فعّلية هذه الإجراءات التي من المفروض (بحسب الأرقام) أنها تُخفّض فقط 700 مليون دولار أميركي.
ورقة الرئيس الحريري الإقتصادية تحوي 25 بندًا هي (بحسب ورودها في الورقة): (1) تجميد الإنفاق الإستثماري غير الضروري وتحويل فائض أموال المؤسسات إلى الخزينة، (2) إلغاء ودمج بعض الوزارات والمؤسسات والمرافق العامّة، (3) البدء بإشراك القطاع الخاص وتحرير المؤسسات والمرافق العامة ذات الطابع التجاري، (4) تعيين الهيئات الناظمة للطيران المدني ومجلس إدارة بورصة بيروت ونواب حاكم مصرف لبنان قبل تاريخ 15/11/2019، (5) تفعيل إدارة ومردود عقارات الدولة، (6) الإسراع بتنفيذ برنامج الإنفاق الإستثماري (سيدر)، (7) الإسراع بإطلاق المشاريع الإستثمارية المُقررة في مجلس النواب والبالغة 2,6 مليار دولار أميركي، (8) إطلاق مشاريع أليسار ولينور، (9) تعزيز الحماية الإجتماعية، (10) دعم التصدير، (11) توحيد شراء الأدوية، (12) الإسراع في إصدار المراسيم التطبيقية لقانون المعاملات الإلكترونية وقانون الوساطة القضائية وحق الوصول إلى المعلومات، (13) ملف عودة النازحين السوريين، (14) إقرار موازنة 2020 بعجز يُقارب 0%، في مهلة أقصاها 25/10/2019، (15) الحد من التهريب عبر المعابر الشرعية وغير الشرعية والحد من التهرب الضريبي، (16) تأمين الكهرباء بدءًا من النصف الثاني من العام 2020 وإلغاء كامل عجز مؤسسة كهرباء لبنان في العام 2021، (17) تعزيز الشفافية والحدّ من الفساد (قانون إستعادة الأموال المنهوبة، إقرار الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، إصدار المراسيم التطبيقية لقانون تعزيز الشفافية في قطاع البترول وكاشفي الفساد)، (18) إنجاز الإصلاحات كافة التي تمّت مناقشتها في لجنة الإصلاحات المالية والهيكلية وتلك الوارد في مؤتمر سيدر، (19) العمل على إقرار مشروع قانون العفو العام بمهلة أقصاها نهاية العام الجاري، (20) تكليف وزير الأشغال العامة ووزير الداخلية لمعالجة مخالفات الأملاك العامة والأملاك،(21) تكليف وزارة الطاقة والمياه إعداد مشروع يرمي إلى معالجة المخالفات على الأملاك النهرية، (22) تكليف وزارة الأشغال إتخاذ الإجراءات اللازمة لتطبق قانون تسوية مخالفة البناء، (23) تكليف اللجنة الوزارية المُكلفة وضع إستراتيجية إقتصادية إعداد الخطوات والتدابير اللازمة لوضع توصيات دراسة ماكنزي قيد التنفيذ، (24) الموافقة على تجديد ولاية أعضاء هيئة إدارة قطاع البترول، (25) تشكيل لجنة وزارية برئاسة الحريري لدراسة لائحة مشاريع برنامج الإنفاق الإستثماري (CIP).
الورقة نصّت على إقرار موازنة العام 2020 بعجز متوقّع بنسبة 0.6% وذلك من خلال:
أولًا – زيادة الإيرادات من خلال فرض ضريبة دخل إستثنائية على المصارف لسنة واحدة في العام 2020 بما يؤمّن مبلغ 600 مليار ليرة لبنانية.
ثانيًا – خفض النفقات من خلال: وضع سقف أقصى لعجز الكهرباء قدره 1.500 مليار ليرة لبنانية، مساهمة مصرف لبنان بخفض خدمة الدين العام لسنة 2020 بنسبة 50% (4.500 مليار ليرة لبنانية)، تقسيط تعويضات الصرف التي تزيد عن 100 مليون ليرة لبنانية على 3 سنوات، خفض 50% من مخصصات الرؤساء والوزراء والنواب الحاليين والسابقين، وخفض باقي النفقات في سبيل بلوغ العجز بالنسبة المومأ إليها.
وهنا تظهر مُشكلة أساسية أن خفض هذا العجز إلى من 7.38% إلى 0.6% آت فقط من نقطتين أساسيتين الضريبة على المصارف ومساهمة مصرف لبنان في خفض الدين العام (5.100 مليار ليرة لبنانية). وهذا الأمر باقي الإجراءات الإصلاحية التي تمّ إتخاذها (أي 24 بندًا) لم تُسهم إلا بـ 700 مليون دولار أميركي وهنا يحقّ للمراقب طرح السؤال عن فعّالية هذه الإجراءات الإصلاحية في موازنة العام 2020!
على كل الأحوال، الورقة أهملت نقاط إصلاحية أسياسية وعلى رأسها ملف النفايات والمطامر والمحارق والتي تُعتبرّ من المشاكل الأساسية التي تواجه المواطن، الدوّلة والخزينة العامّة. لماذا لم يتمّ ذكر هذا الملف الخطير الذي يُلقي بتداعياتها المالية بشكلٍ كبير على البيئة؟ وهل عدم ذكرها يعني أن خطّة وزارة البيئة ذهبت مع الرياح وهي التي كانت تحّوي على 400 مليون دولار أميركي ضرائب؟
أيضًا ومن بين المواضيع التي لم يتم ذكرها، الرواتب العالية في القطاع العام وهي التي تصل إلى مستويات عالية تفوق كل تصوّر لدى بعض الفئات الوظيفية. هل من سبب لعدم القيام بهذا الأمر؟
لماذا لم يتمّ فرض ضريبة على الشقق الشاغرة؟ هل السبب يعود إلى إمتلاك بعض أصحاب النفوذ ألالاف الشقق الشاغرة في وقت يحتاج شبابنا إلى شقق لإنشاء عائلة والعيش عيشة كريمة؟
لماذا لم يتمّ المسّ بالدعمّ المُقدّم للجمعيات والتي يُدير بعضها أصحاب نفوذ؟
لماذا لم يتمّ ملاحقة التهرّب الضريبي بإجراءات واضحة مثل ملاحقة الشركات والأفراد الذي تردّ أسمائهم في أوراق بنما؟
لماذا لم يتمّ سقف لإنفاق بعض الوزارات التي يكبر حجمها بشكل غير مسبوق؟
لماذا لم يتمّ تخصيص إجراءات للمناقصات العمومية وهي المُتّهم الأول بالفساد في القطاع العام؟
لماذا لم يتمّ أخذ إجراءات بخصوص التوظيف الإنتخابي الذي تمّ في العام 2018 وتحميل المسؤوليات؟
كل هذه الأسئلة هي أسئلة مشروعة وكان من المفروض لحظها في هذه الورقة.
يبقى القول أن فرض ضريبة على المصارف هو أمر مُشرّع في الأنظمة الديموقراطية وبالتالي لا يُمكن إنتقاد هذا الإجراء. إلا أن الدعم المطلوب من قبل مصرف لبنان لخفض خدمة الدين العام، قد يكون محفوف بالمخاطر نظرًا إلى أن صندوق النقد الدوّلي وفي تقرير الذي صدر في آب 2019 إنتقد قرار الحكومة أنذاك إقتراض 11 ألف مليار ليرة لبنانية من القطاع المصرفي بفائدة 1% وإعتبر أن هذا الأمر مُنهض لروحية الأسواق المالية. وطلب من مصرف لبنان بكل وضوع الإبتعاد عن العمليات التي تطال خزينة الدوّلة. لذا يُطرح السؤال اليوم: هل خفض الدين العام 50% في العام 2020 وتحميل الكلفة لمصرف لبنان هو إجراء طوعي أو أنه تمّ فرضه على مصرف لبنان؟ في الواقع الجواب على هذا السؤال يؤثّر على نظرة الأسواق العالمية لسندات الخزينة اللبنانية وقدّ ينقلب السحر على الساحر في حال كان هذا الإجراء بالإرغام!
في الختام، لا يسعنا القول إلا أن سلوك ورقة الرئيس الحريري برّ الأمان هو رهينة رأي المتظاهرين الذي لا يرون حتى الساعة أي مصداقية في إلتزامات الحكومة وهي التي نكست بإلتزاماتها عدّة مرّات من موازنة 2018 وصولًا إلى ورقة بعبدا المالية الإقتصادية.