jassemajaka@gmail.com
المال تحتاج إلى 7.9 مليارات دولار لتغطية مستحقات في 2018 – ملاءة مصرف لبنان تُخفض كلفة استدانة الدولة اللبنانية
موريس متى
إختلفت الأراء حول طبيعة العملية المالية الأخيرة التي تمّت بين مصرف لبنان ووزارة المال، وأنتجت إستبدال سندات خزينة بالعملة اللبنانية بقيمة 2562 مليار ليرة لبنانية يحملها مصرف لبنان ضمن محفظته بما يوازي 1.7 مليار دولار من سندات خزينة جديدة بالدولار الأميركي أي الأوروبوند.
رغم تسميتها من بعض المراقبين بعملية إصدار سندات خزينة، رفض حاكم مصرف لبنان الدكتور رياض سلامة هذه التسمية، معتبراً أن العملية لا تتخطى عملية إستبدال سندات بين وزارة المال ومصرف لبنان وقد تمّ الاتفاق على شروطها في منتصف تشرين الأول الفائت، اي قبل إندلاع الازمة التي نتجت من إستقالة الرئيس سعد الحريري. وهذه العملية لم ينجم عنها إنتقال أي أموال نقدية بين وزارة المال ومصرف لبنان، فقد اتفق طرفا عملية الاستبدال خلال الأسابيع الماضية على تأجيل إتمامها لإعطاء بعض الوقت لمراقبة الواضع الراهن، وبخاصة أن مصرف لبنان كان قد وافق على أخذ هذه السندات الدولية عند مستويات العائد التي كانت قائمة قبل استقالة الرئيس الحريري، فيما تمّ إصدار هذه السندات بين 2011 و2017 على ان تستحق بين 2018 و2025 ، بينها قرابة اﻟ 2000 مليار تستحقّ في سنتي 2018 و 2019 .
سندات الخزينة هي عبارة عن أدوات مالية تقترض من خلالها الدولة ممثلة بوزارة المال، أموالاً من الأسواق التي تكتتب في هذه السندات لتغطية إستحقاقات، وفي المقابل يتمّ دفع فوائد على هذه السندات بوتيرة سنوية أو نصف سنوية، وفي حال تمّ إصدار هذه السندات بالدولار الأميركي فتكون أوروبوند. هذا، وتُعتبر وزارة المال هي المسؤولة الاساسية عن إصدار سندات الأوروبوند وهي لا تمرّ عبر مصرف لبنان في ما يخصّ هذه السندات بل تتوجّه مباشرة إلى الأسواق، حيث تقوم بتكليف مصارف تجارية عالمية لترتيب عملية الاصدار. أما سندات الخزينة، فهي تمرّ عبر مصرف لبنان الذي يُعتبر ممراً إلزامياً لأي إصدار لسندات الخزينة بالليرة اللبنانية.
إرتفعت حاجة الدولة اللبنانية إلى الإقتراض بشكل ملحوظ منذ العام 2015، في الوقت الذي يتوقع فيه بحسب الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفيسور جاسم عجاقة ان تصل حاجة خزينة الدولة اللبنانية الى 7.9 مليارات دولار خلال سنة 2018، ومن هنا يجد مصرف لبنان نفسه ملزماً على لعب دور أساسي في استيعاب ردود فعل الاسواق لمواجهة الازمات السياسية والامنية التي ترفع من كلفة الاقتراض. فمع إرتفاع حدّة المخاوف في سوق سندات الخزينة والذي تُرجم من خلال إرتفاع كلفة التأمين عليها وتراجع أسعارها على خلفية إستقالة الحريري، تضاعفت الجهود التي يجب على الدولة اللبنانية القيام بها في الاسواق للسيطرة على اسعار الفائدة التي تعكس حجم الأخطار التي تحدّق بلبنان. ومع تدهور المالية العامّة، وهشاشة الوضع الاقتصادي والسياسي، يبرز الدور الذي يلعبه مصرف لبنان، وهو مشابه لما يقوم به البنك المركزي في الدول المتطوّرة والكبرى وعلى رأسها الإحتياطي الأميركي، ويتمثل من خلال التدخل عبر سياسات نقدية معينة لدعم الدولة في ظل أوضاع عصيبة يمكن أن تؤدّي إلى رفع خدمة الدين العام بشكل ملحوظ في حال الطلب إلى الأسواق. ومن هذا المنطلق، أهمية الاتفاق الذي تمّ بين وزارة المال ومصرف لبنان حول استبدال سندات يكتتبها مصرف لبنان بالكامل، نظراً الى الملاءة العالية التي يتمتّع بها، على ان يقوم المركزي في المقابل بتحويل سندات خزينة بالليرة اللبنانية وموجودة في محفظته إلى محفظة وزارة المال. وتوزّعت سندات الاوروبوند الجديدة على شطرين: سندات بقيمة مليار دولار تستحق في سنة 2031 بفائدة 7.15 %، وسندات بقيمة 700 مليون دولار تستحق في سنة 2028 بفائدة 7%. وقد جاءت الفائدة مماثلة لعائدات الاوروبوند اللبنانية المتداولة عالمياً في الأشهر الماضية وقريبة لفوائد الإصدار الذي أنجزته وزارة المال خلال شهر آذار 2017. لكن اللافت بحسب عجاقة، أن الوفر الذي حققته وزارة المال بلغ 300 مليار ليرة نظراً إلى الفائدة المُتدنية التي يتمّ فيها تسديد الإكتتاب بسندات الليرة اللبنانية. والواضح من ذلك، أن مصرف لبنان يتحمّل خسائر بدل الدولة اللبنانية التي تُعاني ضعفاً في ماليتها العامّة، ومما يُساعده في ذلك ملاءته الهائلة والمُتمثّلة بإحتياطي من العملات الأجنبية بقيمة تقارب 43 مليار دولار وإحتياط من الذهب بقيمة 11 مليار دولار، أضف إلى ذلك أن حاكم مصرف لبنان يُمسك بيد من حديد القطاع المصرفي ويملك مؤونات كافية لمواجهة مخاطر الإئتمان وإمتصاص الخسائر في حال حصولها.
والجدير ذكره، أن المركزي فرض على المصارف اللبنانية خلال الأعوام الماضية الإحتفاظ بنسبة %25 من أرباحها في رأسمالها، مما جعلها تتأهل سريعاً وتلتزم معايير “بازل 3” وذلك حتى قبل إلتزام المصارف الأميركية هذه المعايير. هذا ويؤكد عجاقة، انه ومع التوجّه العالمي لرفع الفوائد، تأتي الهندسات المالية لتدعم قدرة المصارف على دفع معدلات فائدة أعلى للمودعين، وفي الوقت نفسه المحافظة على ربحية مقبولة. وبالعودة الى عملية إستبدال السندات التي تمّت بين وزارة المال ومصرف لبنان، جاءت الفائدة مماثلة لعائدات الاوروبوند اللبنانية المتداولة عالمياً في الأشهر الماضية وقريبة لفوائد الإصدار الذي أنجزته وزارة المال خلال آذار 2017 ، هذا ما يؤكد على استمرار الثقة بالاقتصاد اللبناني رغم الازمة التي تمرّ على البلاد حالياً، وما زالت السندات اللبنانية تجذب مستثمرين محليين وصناديق دولية. هذا الأمر يؤكده الخبير الاقتصادي الدكتور غازي وزني، وهذا ما يبرر ايضاً ان معظم التداول في الفترة الأخيرة كان بين المستثمرين الأجانب عالمياً مع شراء غير ملحوظ من المصارف اللبنانية، مما يؤكد ثقة المستثمرين الاجانب بأن الدولة اللبنانية لن تتخلّف عن تسديد مستحقاته، رغم المصاعب التي تواجهها، مما يدل على ثقة محفظات الاستثمار الأجنبية بالأوراق اللبنانية حتى في الفترات التي تصدر عنها تقلّبات في الأسعار. كذلك يشير وزني الى أن لهذه العملية أهمية على صعيد تعزيز إحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية، بالاضافة الى رفع نسبة الدين العامة بالعملة الاجنبية الى ما نسبته 40 % من إجمالي الدين في مقابل 60 % كدين بالعملة المحلية مع تمديد آجال إستحقاق 2% من إجمالي الدين، وهو ما يندرج ضمن إستراتيجية وزارة المال لإدارة الدين العام.
رابط النهار