jassemajaka@gmail.com
تعديلات ورقية على موازنة عادية في ظروف استثنائية
موقع القوات اللبنانية | أمين القصيفي
على الرغم من تضمنها بعض النقاط الاصلاحية، تبقى موازنة 2019 موازنة عادية في ظروف استثنائية، فيما المطلوب إحداث صدمة إيجابية في الداخل والخارج عبر إجراءات نوعية تقلب الوضع من منقلب إلى آخر مختلف تماما، وتعيد الثقة المفقودة بالحكومة ومؤسسات الدولة اللبنانية.
التعديلات التي أدخلتها لجنة المال والموازنة على مشروع الحكومة لموازنة 2019، وأدت إلى خفض نسبة العجز المتوقعة لتصبح 6.59% بدلا من 7.59%، لفتت نظر المراقبين الاقتصاديين. في وقت، تشير مصادر رئيس الحكومة سعد الحريري إلى إصراره على مشروع قانون الموازنة كما ورد من الحكومة.
ويرى الخبير الاقتصادي والمالي البروفسور جاسم عجاقة، في حديث إلى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، أنه “من الصعب تحقيق تعديلات لجنة المال والموازنة، على الرغم من أن إعلان رئيس اللجنة النائب إبراهيم كنعان، بالأرقام، عن خفض النفقات نحو 550 مليار ليرة، وزيادة الواردات 400 مليار ليرة، أمر يستحق التوقف عنده ومقاربته بشكل علمي وجدي. فهذا يعني أنه بات لدينا وفر إضافي بـ950 مليار ليرة، إن صحت أرقام كنعان”.
التخفيضات تناولت بنودا عدة، منها تسديد سلفات خزينة لمجلس الإنماء والإعمار، والهيئة العليا للإغاثة، والمديرية العامة للحبوب والشمندر السكري، وهيئة أوجيرو، والمجلس الأعلى للخصخصة، ومساعدات لمؤسسات عامة في وزارة الطاقة والهيئة الناظمة للاتصالات، إضافة إلى بدلات أتعاب ورواتب متعاقدين وأجور متعاملين ومساهمات لهيئات لا تتوخى الربح وعطاءات إلى جهات خاصة ونفقات عدة.
لكن حتى بعد إنجاز لجنة المال والموازنة دراسة مشروع الموازنة، لا جلسة لمجلس الوزراء في الأفق لتقرّ قطوعات الحسابات عن السنوات الماضية حتى الـ2017، قبل بدء جلسات مناقشة الموازنة المقررة أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس المقبلة في مجلس النواب. ويبقى الأمر معلقاً بانتظار مشاورات الساعات الأخيرة التي يقودها الحريري، الذي يعقد اجتماعات وزارية كبديل عن تعطل جلسات مجلس الوزراء، والرهان على إشارات إيجابية وحلحلة العقد المانعة لانعقاد الحكومة.
لم تتضح بعد معالم المخرج المؤدي إلى إقرار الموازنة من دون إقرار قطوعات الحسابات السابقة، على الرغم من تأكيد رئيس البرلمان نبيه بري أن “الجلسة النيابية في موعدها، والهيئة العامة ستبدأ المناقشات”.
ولفت بري إلى أنه “إنْ لم يصلني مشروع قطع الحساب، فلن نستطيع الدخول في مناقشة مشروع الموازنة بنداً بنداً والتصويت عليها”. في حين ترجح أوساط متابعة غلبة التوافق السياسي في اللحظة الأخيرة كالعادة نظراً لدقة الأوضاع، وتبنّي الحل الذي اعتُمد عند إقرار موازنة 2018 بلا قطع حساب، بأن تقدمه وزارة المال لاحقاً في مهلة يتفق على تحديدها. على أن يترك إقرار المشروع الأساسي للموازنة، أو مع التعديلات، على عاتق التوافق داخل مجلس النواب.
لكن الخبير الاقتصادي والمالي عجاقة يؤكد لموقع “القوات”، “صعوبة تحقيق التعديلات التي أقرتها لجنة المال والموازنة، انطلاقا من المعطيات الموضوعية الواقعية”. ويوضح أن “كتلة الأجور تبلغ نحو 6 مليار دولار، ولم نسمع أنه تم خفضها. وخدمة الدين العام نحو 6 مليار دولار، وسقطت فكرة القروض المصرفية البالغة 11 ألف مليار ليرة بفائدة 1% لتمويل نفقات الدولة ومحاولة خفض العجز، بعدما (نسفها) صندوق النقد الدولي، ولا أعرف من سيجرؤ على إقرار هكذا بند وهو على علم ضمنا أنه قد يؤدي إلى إفلاس الدولة”.
ويشير كذلك إلى “ما حصل بالنسبة لعجز الكهرباء”، مذكّرا أن “الرئيس الحريري كان أعلن في ما يخص هذا الملف، أن لدينا 2700 مليار ليرة لسنة 2019، لكن سنقوم هذه السنة بخفض ألف مليار ليرة والسنة المقبلة نخفض كامل المبلغ. بينما لجنة المال والموازنة عادت لتزيد الألف مليار من جديد، والتبرير كان ارتفاع أسعار الفيول عالمياً. بالتالي، نحو 1.8 مليار دولار ستنفق على الكهرباء، يضاف إليها الـ12 مليار دولار، فيما الموازنة بكاملها تبلغ نحو 17 مليار دولار، أي لا يتبقى لكامل الإنفاق وتسديد المستحقات سوى نحو 3.2 مليار دولار”.
ويستغرب عجاقة، بالاستناد إلى المعطيات والأرقام المطروحة، النتائج التي توصلوا إليها، قائلاً: “بلغ عجز العام 2018 (11.56%)، وخفّضت لجنة المال والموازنة في تعديلاتها النسبة إلى (6.59%)، أي بما يعادل تقريبا 2.65 مليار دولار”. ويسأل: “لم يتغيّر شيء بالنسبة للكهرباء أو الأجور أو خدمة الدين العام، فكيف تمكنوا من خفض 2.65 مليار دولار من أصل 3.2 مليار دولار؟”.
ويلفت الخبير الاقتصادي والمالي، إلى أنه “حتى ولو افترضنا على سبيل الجدل النظري أن هذه الأرقام واقعية، فهذا يعني أننا قسمنا إنفاق الدولة في كل القطاعات إلى نصف ما كانت تنفقه تقريبا السنة الماضية، ما يعني بالتالي أن الدولة ستتوقف عملياً عن العمل”، لافتا إلى أننا “في الشهر السابع من السنة 2019، فكيف ستطبق هذه البنود؟”.
ويعتبر عجاقة أن “لجنة المال والموازنة قامت بعمل وجهد غير مسبوق، ولم يسبق أن قامت لجنة مال وموازنة في السابق بعمل كالذي قامت به اللجنة الحالية، وهي تُحترم على ذلك. لكن بحسب المعطيات الموجودة، لا نعرف كيف تمكنوا من خفض العجز! بالتالي هناك شبه استحالة في التطبيق، ويبقى هذا الخفض المعلن بمثابة خفض ورقي حتى الآن، نظرا لعدم وجود أي معطيات جديدة تخالف هذه الحقيقة”.