Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

نظرة إقتصادية لأحداث العام 2017

يمكن القول أن العام 2017 كان العام الأكثر غزارة بالأحداث السياسية والإقتصادية حيث كان هناك كمّ هائل من الأحداث السياسية والأمنية التي كان لها وقع كبير على المشهد اللبناني، السياسي والإقتصادي التي فاقت بحجمها كل توقعات الخبراء والمُحللين. إلا أنه وعلى الرغم من غزارة هذه الأحداث وحجمها، تبقى هذه الخطوات ناقصة وبالتالي تتجه الأنظار إلى الإنتخابات النيابية في العام المُقبل لمعرفة قدرة السلطة الجديدة على ترجمة النتائج الإيجابية لهذه الأحداث.  بعد مرور ما يقارب ثلاث سنوات على إحتلال الجرود الشرقية للبنان من قبل عصابات داعش والنصرة، إستطاع لبنان دحر هذه المجموعات إلى ما خلف الحدود اللبنانية. وكان لهذا الحدث تداعيات عديدة أهمها اللُحمة الوطنية حول مؤسسة الجيش والدعم الأميركي اللافت للمؤسسة العسكرية سلاحًا وعتادًا. ولم يكن لهذا الأمر أن يحدث لولا الغطاء الذي أعطاه الرؤساء الثلاثة حيث كان لرئيس الجمهورية الدور الأول في الواجهة، لكن هذا لا يُقلّل من المجهود الهائل الذي وضعه الرئيس سعد الحريري في تأمين غطاء لهذه العملية. ولا يُمكن تناسي ما خلفّه هذا النصر من وقع إيجابي على هيبة الدولة اللبنانية وعلى الثقة التي وضعها الشعب والمُجتمع الدولي في الدولة اللبنانية خصوصًا إستعادة السيطرة العسكرية على كل الأراضي الُمحتلّة من قبل المجموعات الإرهابية. لكن هذه الأحداث واكبها توتّر في العلاقات اللبنانية – الخليجية على وقع الإنقسام العربي وقتال حزب الله في سوريا. وقد برزت طلائع هذا التوتر في العام 2016 مع وقف الهبة السعودية إلى الجشيش اللبناني، وتبعها توتر العلاقات مع تصعيد حزب الله والمملكة العربية السعودية للخطاب السياسي مما دفع بالدول الخليجية إلى محاولة إلزام لبنان بأخذ موقف تجاه تدخل حزب الله في سوريا واليمن والعراق. وهذا ما لم يستطع لبنان القيام به على المستوى الرسمي ما أدّى إلى توتّر إضافي في العلاقات اللبنانية – الخليجية خصوصًا السعودية منها. وإذ لم تتخّذ دول الخليج خطوات إقتصادية تصعيدية إلا أنها إستطاعت بضغط سياسي كبير من إنتزاع إستقالة الرئيس الحريري. هذه الإستقالة التي تمّ الإعلان عنها من المملكة العربية السعودية شكّلت بداية نفق مُظلم للبنان حيث كانت التوقعات أن يتجه لبنان نحو الفوضى السياسية. وأدركت الدول الكبرى مثل الولايات المُتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا مدى خطورة الوضع مما دفعها إلى التدخل وإعادة التوازن السياسي إلى لبنان والذي تمثّل بعودة الرئيس الحريري عن إستقالته بعد رفض رئيس الجمهورية والتي إقترنت بإعلان وزاري للنأي بالنفس. العودة عن الإستقالة والإعلان الوزاري بالنأي بالنفس عن الأحداث الإقليمية شكّلا جرعة أوكسيجين للنظام السياسي في لبنان وأعادا الأمل إلى الشعب اللبناني بعد التداعيات المالية السلبية التي تُرّجمت فورًا في الأسواق المالية وتمثّلت بإنهيار أسعار سندات الخزينة في الأسواق المالية وإرتفاع سعر أدوات التأمين على هذه السندات إلى مستويات تاريخية. وعلى الرغم من سواد الصورة لحظة الإستقالة إلا أنها لم تستطع أن تؤثّر على الليرة اللبنانية التي بقيت صامدة بفضل الإحتياط الهائل من العملات الأجنبية. الإعلان الوزاري بالنأي بالنفس بقي هشًا مع تصاعد هجمات الحوثيين بالصواريخ على الرياض وإتهام هذه الأخيرة حزب الله بتنفيذ هذه العمليات. وتتجّه العلاقات اللبنانية – الخليجية إلى مزيد من التصعيد مع عدم إقتناع الدول الخليجية بأن حزب الله ينأى بنفسه عن الأحداث الإقليمية حيث من المُتوقّع أن تعمد دول الخليج إلى تخفيض تمثيلها الديبلوماسي في لبنان إضافة إلى إحتمال التضييق إقتصاديًا على لبنان في حال إستمرّ الوضع على ما هو عليه. هذه النقطة الأخيرة – أي التضييق الإقتصادي – ستكون كارثية على لبنان في حال نفّذها الخليجيون نظرًا إلى الإستفادة الإقتصادية الكبيرة التي يحصدها لبنان من العلاقات الجيدة مع هذه الدول. سياسيًا يبقى تحديد موعد الإنتخابات وتشكيل لجنة الإشراف عليها حدثًا كبيرًا من ناحية تداعياته السياسية والإقتصادية خصوصًا مع وجود قانون جديد للإنتخابات قد يسمح بدخول مُستقلين ومجتمع مدني. وإذا كان هناك تأكيد من قبل أركان السلطة بأن هذه الإنتخابات ستجري في موعدها، إلا أن هناك مخاوف من تأجيلها خصوصًا أن السلطة السياسية لم تقم بالإنتخابات الفرعية التي كانت مُقرّرة في أيلول 2017. وفي حال حصول الإنتخابات في موعدها فسيكون لها تداعيات إيجابية جدًا على الوضع الإقتصادي من ناحية أن تداول السلطة الذي يُشكّل عاملًا من عوامل الثقة بالإقتصاد، سيدفع بالمُستثمرين إلى الإستثمار في لبنان وبالتالي زيادة فرص العمل ومعها النمو الإقتصادي. الخطوات التي قامت بها السلطة على الصعيد الإقتصادي في العام 2017 كانت عظيمة على الرغم من عدم ترجمتها عمليًا على الأرض. فإقرار موازنة العام 2017 كان الحدث الأهم بعد غياب 12 عامًا للموازنات والصرف على أساس القاعدة الإثني عشرية. وهي فترة إرتفع خلالها الدين العام إلى الضعف (من 38 مليار دولار إلى 78 ملياراً) وتمثّلت بإدارة سيئة جدًا للمالية العامّة، إذا أن كتلة الأجور تضاعفت ما بين الأعوام 2008 و2016 كما أن خدمة الدين العام وصلت إلى حدود الـ 10% من الناتج المحلّي الإجمالي. وتبقى هذه الخطوة ناقصة مع غياب قطع الحساب الذي أمهل مجلس النواب الحكومة فترة ستّة أشهر لرفعه إلى المجلس النيابي. والوضع لن يكون أفضل مع موازنة العام 2018، إذ من المُتوقّع أن تكون نسخة مُعدّلة عن موازنة العام 2017 مع الأخذ بعين الإعتبار أن هناك حاجة لإستدانة 7.9 مليارات دولار أميركي في العام 2018. الخطوة الإقتصادية الثانية التي قامت بها السلطة السياسية هي التجديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي يُشكّل وجوده ضمانة كبيرة لسياسة الثبات النقدي حيث لم تستطع الأحداث السياسية والأمنية التي عصفت بلبنان منذ نهاية الحرب الأهلية في أوائل تسعينيات القرن الماضي وحتى الساعة من التأثير على سعر صرف الليرة أو سعر الفائدة. أيضًا أقرّت السلطة قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص الذي وعلى الرغم من أهميته الحيوية لتمويل الإقتصاد، بقي ناقصًا مع غياب مرسوم التطبيق وغياب قانون مُكافحة الفساد الذي يُعتبر مدماكاً رئيسياً لحسن تطبيق قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وجاء إقرار قانون سلسلة الرتب والرواتب ليُنصف أصحاب الحق أي الموظفين، إلا أن قانون الضرائب الذي رافقه أفرغ قانون السلسلة من كل فوائده مع إعتماد السلطة الضرائب على النشاط الإقتصادي لتمويل السلسلة ما يعني رفعًا في الأسعار والتي من المُتوقّع أن تزداد حدّتها مع بدء تطبيق الضريبة على القيمة المُضافة الجديدة في مطلع العام الجاري. وهذا الأمر قد يؤدّي إلى إمتعاض شعبي خصوصًا أن الركود الإقتصادي الذي يعيشه لبنان منذ العام 2013 يُلقي بثقله على الشق الإجتماعي والإقتصادي. وإذا كان القيام بإصلاحات إقتصادية هو أمر إلزامي ووجب القيام بها خلال المرحلة السابقة، إلا أن السلطة السياسية أهملت هذا الشق لحساب رؤية تنصّ على أن خلاص لبنان هو في الملف النفطي. لذا قامت الحكومة بإقرار مرسومي النفط في أول جلسة لها في العام 2017 وأقرّت تلزيم الرقعتين 4 و9 من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة للبنان في أواخر جلساتها في العام نفسه. هذه الرؤية للملف النفطي تبقى ناقصة بغياب قانون الصندوق السيادي الذي يجب أن يكون دوره إقتصادي بإمتياز وليس مالياً كما يظن السياسيون من ناحية أن قانون الصندوق السيادي يجب أن يمنع المسّ بعائدات النفط والغاز ويسمح بإستثمار هذه الأموال من قبل مصارف إستثمارية عالمية على أن تأخذ خزينة الدوّلة عائدات الإستثمار وتقوم بإستثمارها في القطاعات الإنتاجية. هذه الخطوات التي نعتبرها ضرورية وأساسية، لا يُمكن أن تكون باب الخلاص للبنان من دون إصلاحات إقتصادية وإبتعاد الدوّلة عن لعب دور المُنتج في الماكينة الإقتصادية. الإقتصاد اللبناني الذي يُعاني من نقص حاد في الإستثمارات، لم يستطع حتى الأن إقناع المُستثمرين بالثقة به إلى حدّ الإستثمار. ويعود السبب الأساسي إلى غياب الثبات السياسي وغياب خططّ إقتصادية واضحة تتضمّن إصلاحات إقتصادية وإدارية. فالعديد يرى في القطاع العام السبب الرئيسي لهدر المال العام والتوظيف السياسي لتُصبح معه كتلة أجور القطاع العام توازي نصف مدخول الدوّلة والنصف الثاني يذهب إلى تغطية خدمة الدين العام. لكن هذه العوامل ليست الوحيدة التي تمنع المُستثمرين من الإستثمار في لبنان. فهناك قانون العقوبات الأميركية على حزب الله الذي أقره مجلس النواب الأميركي والذي ينتظر البدء بتطبيقه. هذا القانون المجهول التداعيات حتى الساعة يبقى رهن قساوة التطبيق والتي إذا ما حصلت قد تؤدّي إلى شلّ العديد من العمليات الإقتصادية بين لبنان والخارج. في الختام لا يسعنا القول إلا أنه وعلى الرغم من إيجابيات الخطوات الإقتصادية والسياسية التي أخذتها السلطة السياسية في العام 2017، تبقى هذه الخطوات ناقصة والدليل أنها لم تستطع أن ترفع من ثقة اللاعبين الإقتصاديين في الإقتصاد اللبناني إن من ناحية المُستثمرين (تراجع نمو الإستثمارات) أو ناحية المُستهلكين (تراجع الإستهلاك على الرغم من إقرار سلسلة الرتب والرواتب) وذلك بسبب إستقالة الرئيس الحريري التي أظهرت مدى هشاشة النظام السياسي اللبناني والذي يعتمد على الإجماع بين المكونات الطائفية (أو التوافق) لأخذ أبسط القرارات الإقتصادية. وبالتالي فإن أي خلاف سياسي يُمكن أن يشلّ الإقتصاد لأنه معروف أن إحدى أدوات الصراع السياسي في لبنان هي سياسة «التعطيل». أيضًا نرى أن مخاوف المُستثمرين من الإنفاق العام المُفرط هو من الأسباب التي تمنع الإستثمارات في الإقتصاد اللبناني، لذا من المُتوقّع أن ينتظر المُستثمرون الإنتخابات النيابية وتشكيل الحكومة الجديدة لمعرفة التوجهات الجديدة للعهد والتي ستُحدّد مواقف كل اللاعبين الإقتصاديين.
رابط الشرق