jassemajaka@gmail.com
تمويل المنظمات الإرهابية وأسعار البترول
مع إنخفاض سعر البترول وخسارته ما يُقارب الـ23 دولارا أميركيا للبرميل الواحد في فترة خمسة أشهر، يفرض موضوع التداعيات المالية على ميزانيات الدول نفسه. فهل يَقِلّ تمويل الصراع الإقليمي مع هذا الإنخفاض؟
ليبانون فايلز / بروفسور جاسم عجاقة
تفاجئ العالم بحجم الموارد المالية التي تمتلكها المجموعات المُسلحة المتطرفة في العالم العربي التي وبفضل هذه الموارد إحتلت أراضٍ شاسعة في سوريا والعراق واليمن. وإذا كانت المواجهات التي حصلت منذ الثورات العربية وحتى الأن قد أظهرت هشاشة الأنظمة السياسية والعسكرية العربية، نرى أن بعض البلدان التي تتمتع بقدرة تمويل عالية قد تفادت هذه الكأس عبر تمويل المنظمات المتطرفة لكي تبقى بعيدة عن حدودها.
لكن اليوم وبعد هبوط أسعار البترول، يحق للقارئ السؤال عن مدى قدرة هذه الدول على الإستمرار في تمويل المنظمات الإرهابية وإحتمال بدء المشاكل فيها مع توقفها عن دعم هذه المنظمات.
البترول عصب الاقتصاد العربي…
من وجهة نظر إقتصادية، تنقسم الدول العربية إلى ثلاث فئات: البلدان النفطية (كدول الخليج)، البلدن شبه الصناعية (كمصر) والدول الخدماتية (كلبنان). ومعظم هذه الإقتصادات مندمج بشكل جيد في الاقتصاد العالمي، لكن بشكل عامودي أي كل دولة عربية على حدى. وهذا الأمر يجعل منها دول معرضة للأزمات الاقتصادية والمالية العالمية كأزمة دبي التي هزّت الإمارة عقب الأزمة المالية العالمية.
وإذا كانت الدول الخدماتية والشبه صناعية هي الأكثر عرضة للأزمات إلا أن هذا لا يعني أن الدول النفطية وعلى رأسها دول الخليج ليست عرضة للأزمات. وهذه الأخيرة تعتمد بشكل أحادي على النفط وإقتصاداتها تفتقر إلى التنوع مما يعني أنها، ومع الموازنات العالية التي تتمتع بها، قد تتعرض بشكل كبير إلى هزّات في أسواق البترول.
وهذا ما يحصل حالياً مع الإنخفاض العالمي لأسعار النفط والذي فقد من قيمته 21.5 دولار أميركي من 105.01 د.أ في 10 حزيران 2014 إلى 82.76 د.أ في 20 تشرين الأول 2014 أي ما يزيد على 21% من قيمته.
وهذا الإنخفاض تعود أسبابه بالدرجة الأولى إلى إنخفاض الطلب على البترول كنتيجة لركود الاقتصاد العالمي، وإلى بدء بعض الدول كالولايات المتحدة الأميركية بالإعتماد على طاقات بديلة كالغاز الصخري وغيره، وأخيراً إلى زيادة إنتاج بعض الدول النفطية مما يلعب دوراً سيئاً في أسعار البترول العالمية التي تُحدد بقانون الطلب والعرض.
وما تصريح وزير المالية الكويتي الى أن تراجع سعر النفط بدأ يؤثر على مالية دول الخليج العربية إلا دليلاً على التداعيات السلبية التي بدأت تطال مالية دول الخليج العربي وإقتصاداتها التي تعتمد بنسبة 80% على النفط.
تمويل المنظمات المُتطرفة سيخف
إن إنخفاض أسعار النفط سينعكس بشكل مباشر على مداخيل الدول النفطية التي سترى إنخفاض في مداخيلها أقله بنفس قيمة إنخفاض أسعار البترول.
وبإستثناء قطر التي بدأت منذ عشرات السنين سياسيات إستثمارية تعتمد على الإستثمار في الخارج لتأمين مداخيل خارج النفط تكفي موازنتها في العام 2020، كل الدول العربية الأخرى ليس على هذا المُستوى من الإستثمارات وبالتالي ستقل مداخيلها حتماً.
ويعتبر الكثير من الخبراء أن الممول الأول لداعش هي دول نفط عربية، مما يعني أن إنخفاض المداخيل لهذه الدول سيكون له تداعياته على تمويل المنظمات الإرهابية. وهذا الأمر قد يدفع هذه الأخيرة إلى الضغط على الدول المُمَوِلة وذلك عبر عمليات عسكرية في هذه البلدان.
الاقتصاد العالمي سيستفيد
مما لا شك فيه أن القوى العظمى تستخدم العامل الاقتصادي بهدف تحقيق مصالحها. واليوم ومع الركود الاقتصادي العالمي، ومع كل ما تم إقراره من سياسات مالية ونقدية لإخراج الاقتصاد العالمي من هذه الأزمة، لا يبقى أمام هذه الدول إلا إعادة الحياة للإقتصاد عبر شقين أساسيين: الأول يطال الطلب على البضائع وعلى رأسها الأسلح؛ والثاني تخفيف الكلفة على الاقتصاد عبر خفض سعر النفط الذي يدخل يصناعة 90% من المواد التي نستهلكها.
وهذا الأمر سيكون له تداعيات إيجابية على الاقتصاد العالمي خصوصاً مع زيادة الطلب الخارجي والداخلي. وهذا ما نشهده حالياً مع الصراع ضد داعش.
تمويل المنظمات الإرهابية في لبنان
إن السؤال الأول الذي يطرحه مراقب للوضع اللبناني هو حول كيفية إمتلاك الإرهابيين الذين يُقاتلون الجيش اللبناني لهذا الكم من الأسلحة ومن أين مصدرها.
وإذا كان بعض المسؤولين اللبنانيين يتهمون علناً عدداً من النواب والسياسيين اللبنانيين بالقيام بتمويل شراء هذه الأسلحة، إلا أن بعض الدول الخليجية ليست بريئة في موضوع التمويل. وإنخفاض أسعار النفط وبالتالي مداخيل هذه الدول سيُقلل من التمويل للمنظمات الإرهابية وهذا يعني عدم قدرتها على الصمود أمام هجمات الجيش اللبناني.
في الختام، نرى أن هناك خطوتين أساسيتين للجم الوضع في لبنان: الأولى تتمثل بإقفال الحدود بين لبنان وسوريا والثانية إعادة وضع اللاجيئين السوريين في مخيمات تحت سيطرة الدولة اللبنانية. هذان الأمران يتطلبان قرارا سياسيا، فهل ستستطيع الحكومة أخذ هذين القرارين؟