Prof. Jassem AJAKA
Physicist and Economist

عكار ضحية إهمال السياسات الإقتصادية

مع 800 كم2 و500 ألف نسمة، تُشكل محافظة عكار أحدى أهم المحافظات في لبنان من ناحية الزراعة ولعبها دور خزان للجيش اللبناني، إلا أن السياسات الاقتصادية المُتبعة ساهمت في التراجع الإنمائي والإقتصادي لهذه المُحافظة.  تشكل مساحة عكار 8 بالمئة من مساحة لبنان ويبلغ عدد سكان البلدات والضيع التي تحويها محافظة عكار 500 ألف نسمة في ظل غياب أي إحصاء رسمي. ويتمتع سكان عكار بأدنى نسبة دخل فردي على الصعيد الوطني  ذلك أن أكثر من 75% من سكان المُحافظة يعيشون بدخل شهري أقل من 110 دولار أميركي و20% يعيشون بأقل من 40 دولار أميركي شهرياً. وبذلك تأتي محافظة عكار على رأس المحافظات اللبنانية من ناحية الفقر الذي تعود أسبابه بالدرجة الأولى إلى الإهمال في السياسات الاقتصادية في عكار.وتشتهر عكار بالزراعة مع 17% من مزارعي لبنان و16% من المساحة المزروعة بمعدل 12.6 دونم لكل مزارع. ومن أهم الزراعات في هذه المُحافظة: القمح (22% من مجمل زراعة القمح في لبنان)، الشعير (6%)، الذرة (64%)، الخضرة (22%)، الخس (10%)، البقدونس (53%)، الزعتر (29%)، النعنع (33%)، الملفوف (19%)، السبانخ (66%)، البندورة (18%)، خيار (13%)، باذنجان (38%)، الشمام (10%)، كوسى (35%)، الدرنات (24%)، بطاطا (27%)، بصل (14%)، فاصوليا (27%)، حمص (19%)…إلا أن المُشكلة تكمن في أن هذا القطاع يفتقر إلى الإستثمارات التي تسمح له بإحتلال موقع ريادي يعود بالفائدة على سكانه وعلى لبنان. وأهم هذه المشاكل تبقى مُشكلة الريّ حيث أن نصف المساحة الصالحة للزراعة فقط يتمّ ريها (157 ألف دونم من أصل 354)، والأهم أن طريقة  الريّ هي طريقة بدائية كما في كل لبنان. هذا الأمر يُعيق الزراعة بالطبع لأن العديد من الزراعات تحتاج إلى مياه للريّ خصوصاً في فصل الصيف.وتأتي الُمشكلة الثانية في المعدات المُستخدمة في الزراعة، إذ بمعظها هي أدوات بدائية ولا يوجد مكننة كفيلة برفع الإنتاج إلى درجة تسمح أقله بسد حاجة السوق اللبناني. فعلى سبيل المثال، يستورد لبنان القمح مع العلم أن سهول القمح واسعة وشاسعة وكفيلة بسد حاجة السوق اللبناني إذا ما تمّ مكننة الزراعة والإنتاجة والتي تلعب دور رافعة في الإنتاج.أيضاً هناك مُشكلة تصريف المحصول الزراعي والذي يقع على كاهل مزارع لا يملك ما يكفي من المال لتسويق محصوله! هذا الأمر يدفعه إلى الوقوع تحت رحمة تجار الجملة الذين يشترون المحصول عادة بأسعار بخيسة لا تسد في بعض الأحيان كلفة الزراعة. وهذا الواقع الآليم سببه غياب : (1) سوق شعبي للتسويق في منطقة عكار، و (2) طرقات مقبولة تسمح بتنقل سهل داخل المحافظة.وجاء النزوح السوري منذ العام 2011 ليقضي على اليد العاملة العكارية من خلال منافستها في العمل الزراعي وغيره وبالتالي أصبح هناك تهميش للمواطن العكاري في قلب منطقته.من هنا نرى أهمية وضع سياسة واقعية وقابلة للتنفيذ تقوم على مشاريع واقعية مع تاريخ بدء ونهاية لكل مشروع. هذه السياسة يبقى محورها الإنماء في منطقة عكار والمساعدة في رفع الدخل الفردي في هذه المنطقة:أولاً: إنشاء وتأهيل شبكة الطرق الداخلية في عكار بما يسمح للحياة الاقتصادية بالتنقل داخل محافظة عكار. هذا المشروع هو مشروع حيوي وأساسي لمنطقة عكار ولا يُمكن الحديث عن أي تقدم إجتماعي في عكار دون شبكة طرق حديثة. وهذا الأمر يتطلب مبادرة من قبل الدولة اللبنانية.ثانياً: دعم قروض للقطاع الزراعي خصوصاً لتحديث المعدات التي يتم إستخدامها في الزراعة ما سيشكل رافعة للإنتاج تعود بالخير على أهل عكار وعلى الاقتصاد اللبناني.ثالثاً: دعم مشروع تحديث شبكة ريّ (نقطة-نقطة) التي تُمكن من زيادة مساحة الأرض المروية وتُوفر المياه التي يفتقدها لبنان في ظل سوء إدارة في قطاع المياه.رابعاً: خلق سوق تجاري ضخم في وسط محافظة عكار حيث يكون الوصول إليه سهل بواسطة شبكة الطرقات. هذا السوق يسمح للمزارعين بتسويق منتوجاتهم وبيعها بسعر مقبول (فوق سعر الكلفة) وبالتالي يزيد مدخول الفرد.خامساً: العمل على مد شبكات مياه للشرب في كل المحافظة إذ لا يُعقل أنه وحتى اليوم يبقى في لبنان بيوت لا تصلها مياه الشرب وغير موصولة على الشبكة.سادساً: دعم السياحة في هذه المُحافظة التي تنعم بثروات طبيعية وخصوصاً المواقع الأثرية والتراثية والغابات. هذه الأخيرة يتمّ التعدي عليها بشكل مُتواصل من قبل أشخاص “مدعومين”. أضف إلى ذلك فإن دعم السياحة يأتي ضمن مشروع قروض لخلق فنادق ومطاعم تُغطي المناطق التي تُشكل مستقبلاً سياحياً واعداً.سابعاً: إنشاء محطة توليد كهرباء في المنطقة تسمح للعكاريين بالإستفادة من الكهرباء والتنعم بشكبة توزيع تشمل كل المحافظة دون الوقوع تحت رحمة أصحاب المولدات.ثامناً: تشجيع وإنشاء بعض المراكز التجارية الضخمة في المنطقة لما لها من تأثير في الحياة الاقتصادية من ناحية دورها التفاعلي الذي يزيد من الإستهلاك المحلّي وبالتالي يعود بالفائدة على سكان المنطقة.تاسعاً: دعم الأفراد في خلق شركات صغيرة ومتوسطة الحجم في قلب محافظة عكار لما في ذلك من تأثير إيجابي على خلق فرص العمل وبالتالي خفض البطالة ورفع المدخول الفردي.عاشراً: لجم عمل اليد العاملة السورية في هذه المنطقة لما لها من ضرر هيكلي على سوق العمل العكاري. وهذا الأمر أساسي ويتطلب تدخل كبير من قبل الدولة اللبنانية. بالطبع هناك العشرات من المشاريع الأخرى، لكن وبحسب تقديرنا إن سياسة مبنية على النقاط الآنفة الذكر كفيلة برفع المدخول الفردي للمواطن العكاري وبالتالي سيزيد من نسبة التعليم بين الشباب. الجدير بالذكر أن 46% من أطفال عكار يتركون المدرسة قبل وصولهم إلى صف البروفيه! كما أن زيادة المدخول ستسمح بزيادة بتحسين نوعية الأكل والطبابة وبالتالي تُخفف من الأعباء على خزينة الدولة. أيضاً يُمكننا القول أن منطقة عكار وفي ظل آفق حل للأزمة السورية، مرجحة أن تحتل مركز مهم من ناحية أن إعادة إعمار سوريا (الذي سيمتد على عشرات السنين) يتطلب من الشركات أن تُقيم في مناطق قربية وفيها من الخدمات الكافية. وهذا يعني أن عكار قد تستفيد بحكم موقعها على الأقل وقربها من سوريا، لكن هذا الأمر ليس بالوحيد، فإحتمال إنشاء مخزون نفط وغاز إستراتيجي في لبنان، يفرض إنشاء خزانات. وعكار هي إحدى المواقع التي قد تستفيد من هذا الأمر ما سيعد بنمو في هذه المُحافظة قد يفوق الـ 10%.