jassemajaka@gmail.com
موازنة لبنان… أرقام خيالية وهروب إلى الأمام
يتجه المجتمع الدولي إلى منح الحكومة الجديدة فرصة لا تتعدى الأشهر
اندبندنت | جيسي طراد
مرة جديدة يقر مجلس النواب اللبناني موازنة الأمر الواقع بأرقام غير واقعية، لتضاف إلى سلسلة موازنات أقرت ولم تلتزم الدولة بسقوف إنفاقها ولا بسقوف عجزها. ولعل موازنة 2020، ستشهد الفروقات الأكبر، في ظل انكماش اقتصادي يترافق مع أزمة سيولة أطاحت بالإنفاق وعمل المؤسسات، بالتالي بعوائد الدولة الضريبية المهمة لتخفيض العجز والدين. كما أن الاعتماد على مصرف لبنان والمصارف لتمويل الدولة، كما في السنوات الماضية، لم يعد متاحاً.
فرئيس جمعية مصارف لبنان سليم صفير، كان واضحاً في تعبيره عن عدم قدرة البنوك على مشاركة الدولة في إعادة جدولة ديونها بفوائد متدنية، في ظل حاجة المصارف إلى السيولة ورسملة رأس المال. كما تعاني ميزانية مصرف لبنان بالعملات الأجنبية من الاستنزاف، بسبب تمويلها الحاجات الأساسية للمواطنين، من دواء ووقود، فيما الاستمرار بطباعة العملة المحلية يهدد بارتفاع صاروخي للتضخم، الذي لامس الـ 7 في المئة، وفق خبراء.
وتوقعت الموازنة أن تصل النفقات إلى حدود 12 مليار دولار، تضاف إليها سلفة لكهرباء لبنان بقيمة مليار دولار. أما إجمالي الإيرادات فقد يصل إلى 8.9 مليار دولار. ما سيسجل عجزاً يصل إلى 4 مليارات دولار، يشكل 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بـ56 مليار دولار.
الغرب يمهل وقد يهمل
هذه الموازنة، بحسب مارون كيروز، مسؤول العلاقات الحكومية مع السعودية والعراق وإيران ولبنان في المنتدى الاقتصادي العالمي في جنيف، يُنظر إليها عبر مقاربتين. الأولى سياسية، وتكمن في جدلية إقرار موازنة تطبقها حكومة لم تنل الثقة. والثانية، اقتصادية وتكمن في عدم معالجة أي مسائل بنيوية يعاني منها الإنفاق الحكومي منذ عام 1992 حتى اليوم.
وأهم المشكلات، وفق كيروز، هي خدمة الدين وتضخم رواتب القطاع العام وعجز الكهرباء. وهي عناوين أساسية للإنفاق تبقى من دون حلول.
أما المجتمع الدولي، وتحديداً الأوروبي والعربي، بحسب كيروز، فيتجه نحو إعطاء هذه الحكومة فرصة، أي إتاحة فترة سماح معينة لا تتعدى الأشهر. فالعرب، كما الأوروبيون، ينتظرون أفعالاً وإجراءات ملموسة.
وبحسب كيروز، فإن إقرار الموازنة ولو بشوائب ضمن المهل الدستورية لاقى ترحيباً بين الدول الصديقة والمهتمة بلبنان. لكنه يحذر من إضاعة البلاد هذه الفرصة، التي ما زالت متاحة، فإذا دخل الاقتصاد العالمي في حالة انكماش أو ركود، فلن تعود الدول الأخرى قادرة على مساعدة لبنان.
كما يحذر من توجه أوروبي قريب لبدء مساعدة سوريا مع تقدم الجيش السوري من دون انتظار الحل السياسي.
الهروب إلى الأمام
الموازنة التي أقرّها المجلس النيابي في أقصر جلسة له بتاريخ إقرار الموازنات، واجهت العديد من الانتقادات بحسب الباحث الاقتصادي البروفسور جاسم عجاقة، الذي أوضح لـ “اندبندنت عربية” أنها “وعلى الرغم من أهمّية إقرارها، إلا أنها لا تعكس بأي شكل من الأشكال الواقع المالي الحالي الذي تغيّر كثيراً عن الواقع ما قبل الأزمة”.
فبحسب عجاقة، كان يجب القيام بالتعديلات اللازمة على الموازنة قبل إقرارها حتى لو أن الحكومة الجديدة لم تنل الثقة. وكان الأجدى بلجنة المال والموازنة التعاون مع وزير المال الجديد غازي وزني، غير البعيد عن أجواء الموازنة، ومن ثم عرضها على الهيئة العامة للمجلس.
وعن سبب عدم عرض هذه الموازنة على الحكومة الجديدة لتعديل الأرقام، قال عجاقة إن هناك احتمالين. الأول، يشير إلى إصرار السلطة السياسية على إعادة الانتظام المالي عبر احترام المهل الدستورية. وهنا يُمكن القول إنها نجحت في الشكل، لكنها فشلت في المضمون. والثاني، يشير إلى خوف السلطة من تعديل الموازنة التي يفرض تعديلها زيادة الضرائب والرسوم.
وبغض النظر عن التمويل أكان داخلياً أو خارجياً، فإن هذا الخوف آت من ردّ فعل الشارع الذي سيثور مجدداً في حال تمّ فرض هذه الضرائب. من هذا المُنطلق، “فضّلت السلطة رمي الكرة في ملعب الحكومة الجديدة من خلال إرسال قوانين لتعديل قانون الموازنة وتحمّل التبعات الاحتجاجية التي قد تنشأ نتيجة زيادة هذه الضرائب والرسوم”.
أرقام الموازنة غير قابلة للتحقق
استندت موازنة 2020 إلى أرقام متفائلة، مقارنة بالواقع الاقتصادي في لبنان. كما تم تقدير التضخم بحوالى 3 في المئة، فيما النسبة ستسجل أكثر من ذلك بكثير، مع ارتفاع أسعار السلع والخدمات بحدود 50 في المئة، وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق الموازية.
مساهمة المصارف المقدّرة بـ400 مليون دولار من خلال فرض ضريبة لمرّة واحدة على حجم الأعمال قد لا تتحقق، فيما تكافح المصارف المنكشفة على دين الدولة للحفاظ على أعمالها وسيولتها ورفع رأسمالها.
السلفة المحددة لمؤسسة كهرباء لبنان، والبالغة قيمتها مليار دولار، قد تتخطى هذا المستوى كما حصل في السنوات الماضية، عبر إقرار سلف إضافية لتفادي انقطاع كامل في التغذية، في ظل تأخر إصدار دفتر شروط مناقصات بناء معامل الغاز.
كما حددت كلفة خدمة الدين العام عند 9000 مليار ليرة، في ظل توجه لوضع خطة لإعادة هيكلة الدين العام، ما سيغير مجدداً من الأرقام المطروحة.
لكن موازنة 2020 تحمل عدداً من الإيجابيات، ومنها إعطاء فترة سماح (ستة أشهر) لأصحاب القروض المدعومة، حيث ستجمّد المصارف الإجراءات التي كانت تتخذها في حال التخلّف عن الدفع، كإلغاء الغرامات المالية والملاحقة القانونية. ورفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين ليرة إلى 75 مليون ليرة. وتحويل كافة واردات الخلوي من قبل الشركتين المشغلتين للقطاع، وبعد خَصم قيمة الرواتب، إلى الخزينة، ما سيمنع أي وزير للاتصالات من التحكّم بأموال القطاع، من خلال الرعايات والعقود المشبوهة وغيرهما.
كما نصت على تحويل كافة واردات المرفأ إلى الخزينة، منعاً لأي عمليات نهب محتملة. ومددت مهل الإعفاءات من الغرامات الضريبية وغيرها من التسويات والرسوم، نظراً إلى الظروف التي كانت سائدة، وذلك لمدّة ستة أشهر.