jassemajaka@gmail.com
البيان الوزاري : ورقة بعبدا تنتظر من يُطبّقها
الإجماع من قبل القوى السياسية يُسهّل تنفيذها
الديار | بروفسور جاسم عجاقة
في جلسة جمعت زعماء القوى السياسية برعاية رئيس الجمّهورية في بعبدا في أيلول الماضي، تمّ إقرار ورقة إصلاحية ضمّت أربعة محاور أساسية هي السياسة المالية، السياسة الإقتصادية، الحساب الجاري الخارجي، والسياسة الإجتماعية. كل محور من هذه المحاور يحوي على إجراءات إصلاحية بإمتياز وتذهب بإتجاه إعادة سيطرة الدولة على ماليتها العامة كما وتحفيز الإقتصاد ومعالجة الشق الإجتماعي.
الخطوات المنصوص عليها في هذه الورقة تحملّ أهمية مالية كبيرة من ناحية أنها تضع على الطاولة العديد من المشاكل التي تغاضى عنها اللبنانيون منذ إنتهاء الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي وحتى الساعة. وعلى رأس هذه المشاكل حسابات الدوّلة النهائية أي بمعنى أخر قطوعات الحساب والتي لم يُقرّ أيًا منها منذ العام 2003! أيضًا هناك مُشكلة الإنفاق المُفرط والذي خصّت له ورقة بعبدا العديد من النقاط التي توزّعت على عدّة محاور ومن بينها خفض عجز الكهرباء، إصلاح النظام التقاعدي، مكافحة التهرّب الضريبي، والأملاك البحرية، وإستعادة الأموال المنهوبة… وغيرها من النقاط العديدة التي من المفروض أنها تصبّ في الإتجاه الصحيح.
الخطوات الإقتصادية المنصوص عليها في هذه الورقة، لا تقلّ أهمّية عن الشق المالي، حيث نصتّ الورقة على إعتماد التكنولوجيا بشكل مكثف ومطرد في مختلف المجالات، خلق فرص عمل جديدة للبنانيين، التوجّه نحو القطاعات الإنتاجية… وهذا الأمر هو أكثر ما هو مطلوب في هذه الساعة الحرجة من تاريخ لبنان. ويبقى الأهم خفض عجز الميزان التجاري الذي يُعتبر علّة العلل حيث نصّت الورقة على التركيز على تصدير الخدمات وتشجيع الصادرات، تسريع عمليات التشركة وتأمين الجوّ السياسي المُلائم.
إجتماعيًا نصّت الورقة على توفير الحماية لشرائح المُجتمع كافة عبر إقرار نظام تقاعد وحماية اجتماعية لجميع اللبنانيين، إقرار نظام التغطية الصحية الشاملة، ووضع سياسة إسكانية.
ما يحتاجه لبنان اليوم هو تطبيق هذه الورقة من ألفها إلى يائها من دون تردّد لأن هذه الورقة إصلاحية بإمتياز ولكن أيضًا لأن لبنان بأمسّ الحاجة إلى هذه الإصلاحات.
ما منع تطبيق هذه الورقة في الماضي هو الخلافات السياسية، أمّا اليوم ومع وجود حكومة جديدة مؤلفة من فريق مُتجانس، لا يوجد أي عائق أمام تطبيق هذه الورقة. من هذا المُنطلق، تتوقّع الأسواق أن تعمد الحكومة الجديدة إلى إدخال ورقة بعبدا المالية الإقتصادي في بيانها الوزاري وأن تعمد إلى تنفيذها خصوصًا أنه لن يكون هناك إعتراضات من قبل القوى السياسة الأخرى بحكم أنها وافقت على هذه الورقة في إجتماع بعبدا. بالطبع سيكون على الحكومة أن تضع في بيانها الوزاري بالإضافة إلى هذه الورقة، خطّتها لتخطّي مُشكلة تمويل المالية العامّة هذا العام والتي قدّ تتضمّن خطوات موجودة في ورقة بعبدا.
إن المصداقية هي عبارة عن مُصطلح تستخدمه الأسواق لوصف شخص «يقول ماذا سيفعل، ويفعل ما قال». من هذا المُنطلق، ننتظر من الحكومة العتيدة أن تعمد إلى إعتماد هذه الورقة وتنفيذها في المرحلة المُقبلة وبالتالي تربح مصداقيتها في الشارع ولدى المُجتمع الدولي.
إمتحان نيل الثقة الأسبوع المقبل، يعتمد على ما سيحويه البيان الوزاري لهذه الحكومة، ليس على صعيد المجلس النيابي (الأمر محسوم) بل على صعيد الشارع وعلى صعيد المُجتمع الدولي. هذا الإمتحان الذي قد يكون أول الأسبوع المقبل، سيُحمّل الحكومة مسؤولية تاريخية على مُحتوى البيان الوزاري وعلى تطبيقه. فالبيان الوزاري للحكومات السابقة كان عبارة عن خطاب سياسي يُلقيه رئيس الحكومة للشكل ويحوي على الكثير من الوعود من دون تنفيذ أي بند منه لتبقى هذه البنود حبرًا على ورق.
في هذا الوقت، أدّى الإجتماع المالي الذي تمّ عقده في السراي الحكومي أوّل من أمس إلى رفع منسوب الثقة في الأسواق المالية خصوصًا مع إظهار القطاع المصرفي القدّرة على مواكبة هذه المرحلة الحرجة والتي تتطلّب موارد لا يُمكن للحكومة تأمينها من الخارج. وتُرجم إرتفاع منسوب الثقة هذه، بإرتفاع أسعار سندات الخزينة بالدولار الأميركي البارحة حيث تراجع منسوب خوف المُستثمرين من إحتمال التخلّف عن سداد الإستحقاقات المالية للدين العام.
هذا الأمر تمّ بالتوازي مع وصول طرود من الخارج، تحتوي على كميات من العملة الوطنية اللبنانية على متن طائرة تابعة لشركة طيران الشرق الاوسط تمّ تسليمها لمصرف لبنان. وإذا كان هذا الخبر قد أثار مخاوف البعض من تضخّم مُحتمل، إلا أن الحقيقة أن هناك سببين وراء هذه الخطوة: الأول يتعلق بإجراء روتيني لمصرف لبنان الذي يعمل على تبديل العملة القديمة بعملية جديدة بشكل مُنتظم، والثاني يتعلّق بإستبدال النقص الحاصل في الليرة في السوق نتيجة تخزين هذه الأخيرة في المنازل والشركات. وبالتالي، فإن وضع هذه العملة في السوق سيُعطي مفاعيل إيجابية على رأسها سدّ حاجة السوق من السيولة، زيادة الإستهلاك (أي تحسّن النشاط الإقتصادي) وبالطبع زيادة الثقة لدى المودع الذي أصبح بإمكانه الحصول على كمّية أكبر من العملة.
إذا ومما سبق، نرى أنه على الرغم من الضغوطات الخارجية التي تزيد من التداعيات السبية للأزمة، أمام لبنان فرصة كبيرة لإستعادة قسم من عافيته إذا ما قرّر المعنيون القيام بما سبق وذكرنا أعلاه.